نظرة سريعة على العلاقة بين أنطاكية و موسكو !

mjoa Sunday May 9, 2010 164
في متحف اللوفر الفرنسي في معرض الأيقونات الكبير “روسيا المقدسة”، أيقونة “أكسيون إستين” تُكرم القديس يوحنا الدمشقي !
1. بين أنطاكيا و موسكو هناك أكثر من طرف عين. العلاقات بين هاتين الكنيستين الأرثوذكسيتين المستقلتين هي علاقات قديمة و عميقة. استفدت مؤخرا من وقت راحة قصير على الغذاء بين فترتي عمل في المكتب، و بادرت إلى متحف اللوفر الفرنسي حيث زرت المعرض الضخم و المهم المُقام هناك لمناسبة سنة 2010 سنة روسيا في فرنسا. المعرض الذي عنوانه “روسيا المقدسة” ُمدهش و فيه عظمة كبيرة و غنى واسع الآفاق يستمد من عظمة روسيا الأرثوذكسية. معرض ُمدهش و رائع على كل المستويات من الأصغر إلى الأكبر حجما للأيقونات و الأواني الليتورجية و المخطوطات و الكتب و الرسوم …أبوابٌ للباب الملوكي لكنيسة روسية، نُقلت إلى المتحف لتُعرض لأنظارنا و التأمل. ربما هذا المعرض يُعتبر من أهم و أوسع المعارض التي تمت خارج الأراضي الروسية و هذا على قول المطران ميخائيل، مطران جنيف للروس البيض الذي يسرني كثيرا أن أتحادث معه في اللقاء الدوري الشهري لمجلس المطارنة الأرثوذكس في باريس.     يدوم المعرض لغاية 24 أيار و لي هنا دعوة ملحة لكل من لم يزور هذا المعرض بعد أن يقوم بذلك لما فيه من أمور قيِّمة عن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية. و كتاب المعرض هو أيضا على قدر عال من القيمة و التألق.

“Sainte Russie, L’Art russe des origines à Pierre le Grand, Louvre, Musée du Louvre Editions, Somogy Editions d’Art. 2010”

icon_inna_baraya icon_inna_baraya
2. الذي جذبني كثيرا بين جماليات هذا المعرض الكثيرة و المتألقة، جمالية أيقونة “اكسيون إيستين” ، أيقونة “إن البرايا يأسرها تفرح بك يا ممتلئة نعمة”، و التي تُكرِّم بشكل ملفت للنظر مكانة القديس يوحنا الدمشقي ! إنها من أجمل ما رأته عيناي حتى اليوم من أيقونات أكسيون إستين في كنيسة أو في معرض أيقونات أو في كتب أيقونات. إنها جذابة بجمالية ألوانها و طريقة الرسم التي فيها الكثير من الدقة و الكثير من السلاسة. كتابتها تتناسب تماما مع الموضوع الأساسي الذي ُرسِمت من أجله، أي هذا الفردوس التي والدة الإله هي وسطه و الذي وسطه هو الرب المسيح المُقدَّم لنظرنا كعمانوئيل أي الله معنا، و هو و هي ُمحاطين بطغمات الملائكة و النساك و القديسون و الشهداء و الآباء و النسوة و الأنبياء و الملوك … و كلهم رمز للخليقة جمعاء و للبرايا بأسرها التي تفرح بوالدة الإله. كيف لا و هي والدة الإله التي ولدت الخلاص لنا و للعالم.

هذه الأيقونة التي تعود برسمها إلى سنة 1530 هي من محفوظات متحف كيريللوف الروسي و تأتي إلى باريس من رحم إيقونوسطاص كنيسة دير أرثوذكسي روسي هو دير القديس ثيرابونت، تتميز عن غيرها من أيقونات أكسيون إستين بالتكريم الذي تُفرده لمقام القديس يوحنا الدمشقي الذي وُضع في الأيقونة خارج صف الرسل و الأنبياء و القديسين. و هنا تجدر المقارنة مع أيقونة الشمال، التي ُعرضت في باريس سابقا في متحف النقود، و حيث نرى القديس يوحنا الدمشقي على اليمين يَؤم مجموعة من القديسين و أمامه على اليسار القديس أنطونيوس الكبير، أبو الرهبان، يؤم مجموعة أخرى و لكن كلاهما على نفس الصف.

كيف لا يُكرَّم القديس يوحنا الدمشقي و هو هذا اللاهوتي الكبير من كنيسة أنطاكية في القرن الثامن. و نراه على أيقونة اللوفر ُمنفردا بقرب عرش والدة الإله و هو حامل للفيلاكتير الذي كتب عليه ترتيلة “إن البرايا بأسرها” التي هي من تأليف الدمشقي و التي تُرتل في قداس القديس باسيليوس.

3. اكتشاف آخر كان من صيد زيارتي للمعرض، هو مشاهدة المخطوطة الأصلية “لطوموس”  البطريركية المسكونية في القسطنطينية الذي بموجبه تم منح متروبوليتية موسكو الإستقلالية و تم رفعها إلى مرتبة بطريركية و كنيسة محلية مستقلة. المخطوطة تعود إلى 1590 و هي من محفوظات بطريركية موسكو. مُجَرَّد ُمشاهدة هذه المخطوطة و التأمل بها و بالتواقيع التي عليها رسماً، هو بحد ذاته سفر بالتاريخ حيث يحملك التأمل إلى تصور كيف وضع كل من الموقعين على هذا الطوموس التاريخي، توقيعه عليه و هو يَحوي تواقيع ثلاثة بطاركة، القسطنطينية، أرميا، و أنطاكيا، يواكيم، و أورشليم، صوفرونيوس، و تواقيع 42 متروبوليت و 19 رئيس أساقفة و 20 أسقف ! لا أكثر و لا أقل !

كنوز أخرى يُمكن إكتشافها في هذا المعرض “روسيا المقدسة، الفن الروسي من البدايات إلى بطرس الكبير”، منها مثلا عظمة أيقونة المجمع المسكوني السابع الذي أعاد تكريم الأيقونات و أيقونة العذراء في الحديقة المُغلقة.

بين أنطاكيا و موسكو هناك أكثر من طرفة عين ! بعض من التواريخ المفصلية !

1. أليس هو البطريرك يواكيم الإنطاكي الذي أضاف توقيعه على توقيع البطاركة، إرميا القسطنطيني و صوفرونيوس الأورشليمي، على طرس تأسيس الكنيسة الروسية كبطريركية مستقلة و التي كانت سابقا متروبوليتية للبطريركية المسكونية ؟ فغبطة بطريرك أنطاكية الحالي، الحبيب بالرب إغناطيوس الرابع هزيم، أطال الله بعمره، ُيخَبَّر “أن بطريرك أنطاكية يواكيم الذي قام بزيارة موسكو في 1586 دعم طلب القيصر غودونوف تحويل كنيسة روسيا إلى بطريركية. و هو الذي أثار المسألة مع البطريرك القسطنطينية أرميا الذي زار بعد ذلك روسيا في 1589 و ساهم في انتخاب أيوب، أول بطريرك للكنيسة الروسية    

2. أليس البطريرك ميتوديوس الإنطاكي الذي إشتكى للروس عن ظلم العثمانيين و أوفد المطران نيوفيتوس مطران بعلبك طالبا مساعدة الكنيسة الروسية و الشعب الروسي الأرثوذكسي مما ساهم حينها في تأسيس الأنطش الأنطاكي في موسكو في سنة 1848 و الذي لا يزال قائما حتى يومنا هذا و يرعاه المطران نيفن صيقلي بجدارة منذ سنين طوال ؟

3. أليس هو المُطوَّب البطريرك غريغوريوس الرابع حداد، أحد أكبر بطاركة إنطاكية في القرن العشرين و الذي سُمِّي “أبو الفقراء” و هو ثاني بطريرك من أصل عربي منذ 1724 بعد البطريرك ملاتيوس الدوماني ، أليس هو الذي ترأس في موسكو في 1913  بناء لطلب القيصر الروسي نيقولا الثاني، احتفالات اليوبيل 300 سنة لاعتلاء عائلة رومانوف العرش في روسيا ؟ و يبدو أنه عاد من روسيا مصطحبا عشرة رهبان روس و سلَّمهم دير مار الياس شويا في المتن و هم رهبان ذاع صيتهم في الجبل حينها بين الأهالي لما عرفوا من تقوى و نسك و محبة لكنيسة المسيح و هم اضطروا للعودة إلى روسيا بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى  ؟       

4. أليس بطريركنا الحالي، غبطة إغناطيوس الرابع هزيم، أطال الله بعمره، هو الذي ترأس وفد الكنيسة الإنطاكية للمشاركة في 1988 باحتفالات الألفية الأولى لمعمودية الروس ؟

5. هكذا يُلخص غسان تويني، إحدى الشخصيات الأرثوذكسية الإنطاكية اللبنانية، مؤسس جريدة النهار و هو وزير سابق و سفير سابق و رئيس لجامعة البلمند الأرثوذكسية، العلاقات الروسية الإنطاكية:

“منذ 1584، زار البطريرك يواكيم الإنطاكي سان بيترسبورغ و موسكو و هو قد ربط ثانية في علاقات يقول الكثيرون من المؤرخون، أنها تعود إلى بدايات القرن الثالث عشر، فكنيسة إنطاكيا تتمتع بأسبقية تقدم على موسكو. أكثر من ذلك فإن السفر إلى الأراضي المقدسة كان تقليدا منذ عدة قرون، عند الحجاج الروس الذين كانوا يواجهون، في الطريق، ألوف من المصاعب و المطبات. و هكذا إنضمت العائلة المالكة في روسيا إلى الكنيسة الروسية من أجل تأسيس “الجمعية الملكية الروسية الأرثوذكسية في الأراضي المقدسة” التي أخذت على عاتقها أن تيني و تأسس بدء من منتصف القرن التاسع عشر، مستوصفات و أشفية و مدارس و أديرة. دورها، الذي توقف بفعل الثورة السوفيتية، كان مهما في ميادين التعليم حيث لم يكن بإمكان الأرثوذكس الاستفادة بصورة مجانية و منزهة عن كل مصلحة، من المدارس التي كان أسستها الإرساليات الأجنبية للكنيسة الكاثوليكية. ربما من المهم أن نشير أن الجمعية الملكية الروسية باشرت من جديد و أن بشكل متواضع، نشاطاتها الثقافية .”

سوف نعود مستقبلا في اليوميات الإنطاكية للإضاءة على بعض جوانب العلاقة بين بطريركية أنطاكية و بطريركية موسكو.

بعض من صور المشاركة الأنطاكية في احتفالات الألفية الأولى لمعمودية الروس سنة 1988

russian_baptisim_ceremony russian_baptisim_ceremony
russian_baptisim_ceremony russian_baptisim_ceremony
Pour consulter la version française cliquez-ici
0 Shares
0 Shares
Tweet
Share