إحدى أهمّ الخواطر الّتي يعاني منها مجتمعنا اليوم هي إدمان الاستهلاك. حيث انحرف مجتمعنا الشّرقيّ عن دربه التّطوّريّ ليشبع رغباته بالسّلع و الحاجات.
يصف كتاب “فتنة الاستهلاك و فرح المشاركة” واقع هذا المجتمع الاستهلاكي، كما يعرض الأغراض الّتي تسعى إليها الجماعة و الأوليّات الّتي تستخدمها لبلوغ تلك الأغراض. فيبيّن لنا “كوستي بندلي” في بحثه، العوامل الّتي تسهّل انتشار الاستهلاك في بيئتنا. إضافة ً إلى ذلك، يهدف الكتاب إلى أن يعي القارئ الواقع الّذي يعيشه، فيتمكّن من الانتقال من موقف الانقياد إلى موقف المواجهة و الفعل و التّصدّي. يضيء الكاتب في القسم الأوّل من بحثه على أمور عدّة، نذكر منها : – أوّلا ً ،خبث و جشع مجتمع الاستهلاك. فيبيّن الطّريقة الماكرة الّتي تستخدمها شركات التّصنيع مثلا ً، حيث تشجّع النّاس من خلالها لشراء ما لا يحتاجون إليه. – ثانياً ، الإعلان الّذي خرج اليوم عن هدفه الأساسيّ، و أصبح يلعب دوراً نفسيّاً في حياة المشتري، فيتبيّن لذلك الأخير كم هو ضعيف و مختلف عن الآخرين إن لم يحصل على المنتج كذا. غير أنّه في الحقيقة، يكون وضعه على غرار الآخرين، لكنّ السّبل المخادعة الّتي يستخدمها الإعلان توحي له بحاجته الماسّة لذلك المنتج. و ذلك إضافة ً لأمورٍ أخرى كثيرة حيث يطرح التّساؤل حول قدرة الشّركات المنتجة على تأمين تكاليف الإعلانات الباهظة الثّمن. فالجواب هو أنّ كلّ هذا المال الّذي تفرضه الإعلانات ليس سوى المبالغ الهائلة الّتي يلقيها المستهلك لهثاً وراء رغباته ة إغراءات الإعلانات. في القسم الثّاني من الكتاب، يعمل الباحث على تقديم كيفيّة مواجهة إغراء مجتمع الاستهلاك. فيبرز سيّئات المجتمع الاستهلاكي، بهدف التّصدّي له. فينبّه القارئ على الخداع الأساسي لمجتمع الاستهلاك. و إحدى أهمّ سيّئات هذا المجتمع المذكورة هي إلهاء المرء عن توقه إلى المشاركة، حتّى ضمن الأسرة نفسها، كما يوجّهه نحو المطلق فيصبح بذلك مهووساً جارياً وراء الاغراءات المخادعة، مقتنعاً أنّها ستروي عطش حاجاته. و أخيراً، يبيّن عبثيّة و فراغ المجتمع، فتتحوّل بيئته إلى بيئة ذات اكتئاب مقنّع و مرض نفسي مزمن. و قد ثبّت في كتابه مواصفات المجتمع الاستهلاكي على أضواء إنجيليّة تبيّن مأساته. من السّلبيّة، يتحوّل الكاتب إلى الإيجابيّة، فيبدأ بذكر بعض الإنجازات و التّمرّدات على مجتمع الاستهلاك. فيتبيّن من خلالها، رفض الجيل الجديد لهذا الواقع، سواء كان رفضاً انسحابيّاً (الهيبّيّون) أو صداميّاً (الثّورات الشّبابيّة). و ينتهي أخيراً بذكر أهمّيّة موقف التّحدّي، فينادي بجماعات متحابّة، تجتمع بانتظام حول كلمة اللّه و يحرّكها هاجس المحتاجين، لا هاجس الشّراء و الإسراف. أخيرا ً، إيجازا ً لموضوع الكتاب و رسالته، فلنخرج من الأنانيّة للتّحرّر من شيطان الادّخار و الاستهلاك.