يا اخوة لن أتكلم كثيرًا عن الحركة في جوهرها إذ ليس لها جوهر وليس لها كيان إلا هذا الذي وضعه الله لأنـها حركة الله. لذلك ليس من تفاهم ممكن بين الذين يعرفون حركة الرب في نفوسهم والاخرين الذين يريدونـها مجرد تحرّك بشري لأنهم هم فقط بشريون جسديون. ليس لهم تفاهم مع الذين يأتون من الروح. كلّ هذا الصراع… ناتج عن كون من يرانا محرَّكين من الروح أو غير محرَّكين من الروح. هذا أساسي، من هنا أنّ التلاقي بين ابناء هذه الكنيسة سمّيناه منذ البدء حركة، وعلينا بحركة الروح فينا وليس تحركات الغيرة والحماسة. فالحماسة لا تنشىء تجمّعًا عمره سبعون سنة.
بعد هذا القول لا بدّ أن ننظر إلى تشكيلتنا كناس، إلى تلاقينا كبشر. أول شهادة أوّد أن أودّيـها بعد أن سمعت شبابنا، زمنًا بعد زمن، وأنا أعرف أن أصغي، أن كلّ أجيالنا واحدة بالرّوح. قد يكون جيل أضعف من جيل بمقدار ولكن ليس جيل بعدُ غريبًا عن هذا الجوهر الأساسي الذي جئنا منه. أنا ما وجدت في تعقبي لحياتنا الحركية، زمنا بعد زمن، جيلا لا يفهم الأساس الذي بُنينا عليه، أو جيلاً انحرف عن التوجّه الأوّل. لذلك رأيت في ما يقولونه، منذ سنوات وإلى اليوم، من أنّ المؤسِّسين كانوا شيئا واللاحقين كانوا شيئا آخر، أكذوبة ذكية. إنها أكذوبة التفريق. الشيطان هو الذي يفرّق. هذا تحديده الأول في الكتاب المقدس. الحياة المسيحية كلّها محبة، الله محبة، ليس من تعريف عن الله حقيقي سوى أنّه محبة. كلّ ما يسمونه الثالوث الأقدس هو تحرّك الحبّ بين الآب والأبن والروح القدس. لذلك من جاء من البغض لا يستطيع أن يفهم أن الحركة هي حركة الروح الإلهي.
الشيء الثاني الناتج عن الأوّل أنه ليس لنا وليس فينا عبادة أشخاص، نحن جماعة أسلمنا لله… بالمحبة وبتنا اخوة. ليس لنا من عنصر تجميع توحيد، إلا كوننا إخوة، والاخوة تعني أنك مع أخيك لكما أب واحد وأم واحدة، وأن هويته أن يكون أخاك. نقول إن المحبة تمتدّ إلى الافاق، هي أفقية أيّ تجمع الذين هم تحت الله، وتشمل الذين لهم أب واحد وهو الآب الذي السموات. إذا كنا اخوة نصارع أنفسنا، نصارع شهواتنا حتى نبقى كذلك، فلا نحتدّ ولا نغضب. الكلام الذي سمعتم منذ عشرات السنين أنه انتم مع بعضكم البعض تتكلمون نفس الكلام ومتراصّين مع بعضكم البعض، كأنكم شخص واحد، هو مديح وليس تهمة.
الآن قد نجد عصبية الأخوة. يوجد تعصّب ضمن العائلة الواحدة، تعصّب الأخ لأخيه، لأمّه. يمكن أن نسقط في هذا ربما، ولكن حسب ما أثبت اختبارنا فإنّ هذا العمل بنّاء، يجعل كلاًّ منا متوكئأ على الآخر، يسنده، يرفعه، ينقّيه. حسب الطبيعة البشرية… يمكن أن يُغرى بعصبية المتلازمين، الإغراء ممكن، ولكن ماذا يعني القائلون: أنتم فئة؟ هذه تهمة أقبلها، يعني أنّ كلّ مجموعة بشرية تقول بمبدأ واحد وترتبط به حياتها هي فئة. هذه تـهمة حلوة لا يجب أن نرفضها. ولكن، طبعًا، في عقول هؤلاء أنتم فئويون، تستكبرون، تستعلون، وترون انفسكم مقرّبين لله أكثر من سواكم… وهذا ما يجعلكم في تحزّب.
هل فينا تحزّب، أم لا؟ هنا نحتاج إلى أن نفحص ضمائرنا وقلوبنا، وإذا وقعنا في هذه الخطيئة نندم عليها ونعتبر الآخر أخا لنا… قيل لنا، في الأجيال الأولى التي عاصرتها، إنكم “بتشوفوا” حالكم، بتفهموا. هذا قيل لي عشرات المرات، أنتم تفهمون أكثر من غيركم، أنا المطران جورج أقول لكم: نعم افهم أكثر من غيري، اذا كنت أدرس الانجيل وأتفحصه، استوعبه، استدخله كياني. لا اريد أن أفحص كل واحد منكم وأدخل إلى عقله لأعرف إذا كان يفهم أو يدّعي. العارف أقلّ يتدرب ليفهم أكثر. هذا ليس كبرياء، أنا أقدر أن أتعهد هذا الفكر الذي أبشّر به، ألتزمه، أنشره، إذا كنت افهم فهذا يعني أني أنشر فهمي ليصبح الناس جميعًا فهماء… أنا لا أزعل إذا اكتشفت أن أحدًا يفهم أكثر مني لأنه يكون قد اقترب من المسيح، لكن لست مُستعدًا أن أساوي بين من أدركه المسيح وصقله ونقّاه، بين من قبض عليه المسيح، ومن لم يقبض عليه.
أنا اعتقد أنه يجب أن نتخلّص من تهمة كوننا فئة لأنها صحيحة، بمعنى أننا ندرك عمق القضية التي التزمناها وبهاءها، لأنها قضية الأنجيل والانجيل هو كل شيء. الذي يقرأنا ويعرفنا واعتنق المبادئ الستة، هذا دخل هذه الفئة، صار منا، دون ان يحضر اجتماعاتنا. هذا هو التفريق الحقيقي. من أخذ موقفنا وتبنّاه بطل جاهلاً، ما عاد خصمًا ونحن حاضرون لنقول أن هناك ألوفا من الناس أقدس منا، وهناك بعض الناس أقوى منا في معركة الإيمان المسيحي. نحن لا نميّز بين المنتسبين إلى الاجتماعات وغير المنتسبين. سنة 1945 كابي سعادة وهو أحد المؤسسين، رحمه الله، وضع مسرحية ومُثلت هذه المسرحية في منطقة اللاذقية وموضوعها: متى تنتهي الحركة أو تُلغى! منذ البدء كنّا واعين أننا تيار ولسنا تجمّعا حزبيا وليس لنا رغبة في أن يبقى هذا التنظيم، أن يبقى الروح، أن يبقى التيار، وطبعا الخبرة ورؤيتنا للطائفة الأرثوذكسية. ان التراخي الأرثوذكسي موجود، الجهل قائم. التنظيم هو الذي يجب أن يبقى لأنه الضمانة لاستمرار الروح القدس في الجماعة، يجب أن نبثّ في قلوب الناس ما يصير بهم حركيين بالروح.
الأمر الثاني المرتبط بهذا ما يُسمى الأبوة الروحية. ما معنى الأب الروحي في اللاهوت الأرثوذكسي؟ هذا انسان يلدك في المسيح لأنه وحّد نفسه مع المسيح وتنقّى كثيرا، وعنده فهم روحي عظيم بحيث إنه يستطيع أن يعطيك المسيح. هذا الانسان نادر الوجود. لذلك نكتفي أحيانا كثيرة بكاهن يتقبل الاعتراف ونقبل شيئا من حكمته وعمقه الروحي… هذا الذي اقترب من الأبوة الروحية. ما وظيفته؟ نحن ما عندنا شيء مثل “مرجعية التقليد” عليك أن تتبع تفاصيل ما يقوله لك المرجع في المذهب الشيعي وتصير مقلّدًا، نحن ليس عندنا، كأرثوذكس، مرجعية لاهوتية. الأب الروحي في كنيستنا هو من قدّم لك كلمات انجيلية أو مِن الآباء حتى تدنو من المسيح، ولكنّ لا يقول لك مثلاً: اترك هذه وتزوج بأخرى، لا يستطيع أن يتحكّم الأب الروحي بحياتك ومشاعرك. يقول القديس الروسي نيل (القرن الرابع عشر): “إذا لم تجد أبا روحيا إقرأ الانجيل وهو يكون أباك الروحي”. الأشياء بهذه البساطة، “أنتم انقياء بسبب الكلام الذي كلمتكم به”.
المهم الأخوّة الروحية بينك وبين الشباب والآخرين. إلى هذا يأتي الكلام على علاقتنا بالأسقف، الأسقف يعني المراقب، ولكن من يراقب وماذا يراقب؟ هو يرى المواهب الروحية لأنه أخذ شيئا من الروح القدس بوضع الأيدي عندما رُسم، ويراقب المواهب عند ابنائه، من لديه المواهب الادارية أو التدبير (كما عند بولس الرسول) نسند إليه عملاً إداريا، من يفهم باللاهوت نسند إليه منصب تعليم. حين قال بولس الرسول “أطيعوا مدبريكم” فهو افترض أنه على قدر محبته فإن كل كاهن أو اسقف يسهر على نفسك. جعل بولس الرسول دائما ساهرا. الحُجر الذي نسلّمه للكاهن هو لسماع الاعترافات ولا يصنع منه أبا روحيا. الأسقف يراقب المواهب ويعظّمها ويدفعها إلى الأمام أو إلى فوق، هو خادم المواهب ويُسرًّ بالمواهب.. الأسقف يرى ويجمع المواهب مع بعضها البعض وينمّيها، وعندما ينمّيها يصير أبًا روحيًا، وإن لم ينمها يبقى مطرانا ولديه وظيفة محدّدة في “المجتمع” الأرثوذكسي.
أخيرًا وصيتي أن تقرأوا يا اخوة، هناك فرق بين من يقرأ ومن لا يقرأ. الانسان الذي يُصرّ أن يبقى جاهلاً أو يعرف قليلاً لا مكان له عندنا لأنه لا يستطيع أن يخدم. عليك أن تعرف أقصى ما يمكن، عليك أن تحب إلى آخر حدود المحبة، لأنك بدون محبة لا يمكنك نقل فكرك إلى الآخرين. عندما نرسم كاهنا، بعد أن تتم الاستحالة نسلّمه الحمل ونقول: “خذ هذه الوديعة”، نعطيه قربانا لكنه وديعة، إنها تشير إلى الجماعة، إيّ إلى الكنيسة، ونقول “واحفظها سالمة حتى مجيء ربنا يسوع المسيح حيث أنت مزمع أن تسأل عنه”. أخذتم الحركة وديعة ، حافظوا عليها لأنَّ الرب سيسألكم إذا كنتم مخلصين.