القدّيس البار إسحق السرياني (القرن السابع الميلاديّ)
ورد في السنكسارات السلافية ولم يرد في السنكسارات اليونانية. ربما كان السبب الظن في أنه كان نسطوري الإنتماء. من أعظم وأعمق من كتب النسكيات. كتاباته خالية تماماً من أي أثر نسطوري. له في التراث الروحي الأرثوذكسي أثر لا يمّحي. أجيال من الرهبان عاشت مقالاته، وكذلك من غير الرهبان. معلوماتنا عن سيرته محدودة. له في السريانية سيرتان مقتضبتان. يبدو أنه ولد في منطقة قطر على الخليج الفارسي. كانت قطر في زمانه، أي في القرن السابع الميلادي، مركزاً مسيحياً مهماً، وقد أعطت الكنيسة عدداً من الكتبة البارزين. ترهّب إسحق وصار معلّماً في وطنه، أوّل الأمر، ولعله انتقل بعد ذلك إلى جبال خوزستان إثر انشقاق حدث بين بطريركية سلفكية-ستيزيفون وأساقفة قطر. ولا بدّ أن يكون قد عاد إلى قطر بعدما سُوِّي الأمر وزار الكاثوليكوس جاورجيس المنطقة، سنة 676 م. أخذه الكاثوليكوس معه وجعله أسقفاً على نينوى (الموصل) في بلاد ما بين النهرين. تخلى عن الأسقفية واعتزل بعد خمسة أشهر. السبب، حسب أحد المصادر، لا يعلمه إلا الله. مصدر آخر أورد أن رجلين اقتضيا عنده، دائن ومديون، الدائن طلب ماله والمديون مهلة، فلما أشار اسحق إلى الكتاب المقدّس وسأل الدائن الصبر على أخيه، انفعل صاحب المال وردّ قائلاً:”ضع الكتاب المقدّس بيني وبينهم فما لي وإيّاهم؟! فقام إلى الكاثوليكوس والتمس إعفاءه من الأسقفية فأعفاه. بعد ذلك، يبدو أنه اعتزل في جبال خوزستان بجوار نسّاك آخرين. ثم لما تقدّم في أيامه انتقل إلى دير مجاور هو دير ربّان شابور. ليس تاريخ وفاته معروفاً. أحد المصادر يذكر أنه أصيب بالعمى في سنواته الأخيرة. يظنّ الدارسون أن كتاباته وضعها في شيخوخته. ربما كان ذلك في العقد الأخير من القرن السابع الميلادي. إحدى سيرتيه تذكر أنه ترك للرهبان خمسة مجلّدات إرشادية. هذا معناه أن أكثر ما ترك ضاع. مقالاته المتبقية تقع في قسمين جُمعا بعد موته. نسخها رهبان سريان وتناقلوها. نقل شقاً منها إلى اليونانية، في القرن الثامن أو التاسع، رهبان من رهبان دير القديس سابا في فلسطين. تضمّن هذا الشقّ في السريانية اثنين وثمانين مقالة. الشق الثاني جرى الكشف عنه في هذا القرن وهو يتضمّن أربعين مقالة إضافية، أبرزها أربع مئويات حول المعرفة. ينسب إليه أيضاً كتاب يعرف بـ”كتاب النعمة” وهو عبارة عن سبع مئويات، لكن نسبته مشكوك فيها.
من أقوله
سُئل القديس اسحق ما هي التوبة؟ فأجاب: هي القلب المنسحق المتواضع وإماتة الذات إرادياً عن الأشياء الداخلية والخارجية. ومن هو رحيم القلب؟ فأجاب: هو الذي يحترق من أجل الخليقة كلها: الناس والطيور والحيوانات والشياطين وكل مخلوق، الذي تنسكب الدموع من عينيه عند تذكّرها أو مشاهدتها. هو من ينقبض قلبه ويشفق عند سماع أو مشاهدة أي شرّ أو حزن يصيب الخليقة مهما كان صغيراً، لذلك فهو يقدّم صلاته كل ساعة مصحوبة بالدموع من أجل الحيوانات وأعداء الحقيقة وحتى من أجل الذين يؤذونه كي يحفظهم الله ويغفر لهم، ويصلّي أيضاً من أجل الزحّافات. إن قلبه يَفيض بالرحمة فيوزعها على الكل دون قياس كما يفعل الله.
وسُئل أيضاً: كيف يقتني الإنسان التواضع؟ فأجاب: بتذكّر خطاياه على الدوام وترقّب الموت واختيار المكان الأخير وقبوله أن يكون مجهولاً والا يفكّر في شيء دنيوي…
وسئل أيضاً: ما هي الصلاة؟ فأجاب: إنها إفراغ الذهن من كل ما هو دنيوي واشتياق القلب للخيرات الآتية (المقالة 81).