الأب جورج مسّوح : إزالة الطائفية أيضاً وأيضاً

mjoa Thursday January 12, 2012 184

يتّفق معظم اللبنانيين على القول إن الطائفيّة هي العلّة الأساسية التي تجعل البلد ينتقل، وباستمرار، من أزمة إلى أخرى. ويتّفقون على القول إن الطائفية،
وإن لم تكن دائماً السبب الرئيس في اندلاع النزاعات الداخلية، كانت هي الوقود الذي استعمله أصحاب الشأن في إذكاء نار هذه النزاعات وتحوّلها حروباً لم يسلم من أذاها اللبنانيون، فدفعوا الأثمان غالياً من حيواتهم وأرزاقهم.

وثبت بالبرهان القاطع أن على اللبنانيين، كي لا ينزلقوا بين حقبة وأخرى إلى شباك الفتنة الداخلية، أن يتجاوزوا الحال الطائفية إلى حال المواطنة حيث تتقدّم، في المجتمع السياسي وفي الدولة الجامعة، الهوية الوطنية والعصبية الوطنية سواها من الهويات والعصبيات الدينية أو المذهبية أو الطائفية. وأولوية العصبية الوطنية لا تلغي في أي حال من الأحوال العصبيات الأخرى التي لكلّ منها مجالها وحيّزها. ففي الشؤون الوطنية ثمة عصبية جامعة، وفي الشؤون الدينية ثمة عصبيات أخرى، ولا يجوز الخلط بينها.
لا يسعنا، في واقعنا الاجتماعي والسياسي الحالي، إنكار ما للعصبيات الطائفية من تأثير متعاظم في تشكّل العلاقات ما بين اللبنانيين. لكننا، في الآن عينه، لا يمكننا أن نحيا في تناقض فاضح بين ما نقوله وما نصنعه بالفعل. ثمة انفصام مرضي يهيمن على الخطاب السائد في الأوساط السياسية من حيث التأكيد على أهمية إلغاء الطائفية السياسية من جهة، والعمل الحثيث على ترسيخها من جهة أخرى.
لكن قبل إلغاء الطائفية السياسية لا بد من القيام بعدة خطوات ضرورية من دونها لا يمكن الوصول إلى إلغاء حقيقي للطائفية، بل نكون قد انتقلنا إلى حالة طائفية جديدة أشدّ سوءاً من الأولى، حيث تسيطر فيها الأكثريات العددية الطائفية والمذهبية على الأقليات. أما الخطوات الواجب القيام بها فتبدأ بالتوعية والتربية في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام على المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين كافة.
وفي الإطار ذاته يمكن المعنيين الشروع في إنشاء مجلس للشيوخ تتمثّل فيه الطوائف؛ وانتخاب المجلس النيابي بعيداً من الانتماء الطائفي، وبناء على قانون انتخابي عادل يتساوى فيه اللبنانيون ترشحاً واقتراعاً؛ وسنّ قانون للأحزاب يمنع تشكّل أحزاب غير متنوعة دينياً وطائفياً؛ وقانون للإعلام يمنع استعمال المنابر الإعلامية لشحن المواطنين بالطائفية؛ ولا بد من سنّ قانون مدني اختياري، في مرحلة أولى، للأحوال الشخصية؛ والعمل على كتاب تربية دينية مشترك بين المسيحيين والمسلمين، يتعرّف فيه الطالب على دينه ودين شريكه في الوطن بلغة علمية ومنطقية بعيدة من التبشير أو الدعوة؛ ودعم قيام هيئات المجتمع المدني، تلك التي تدافع عن قيم المواطنة والحرية وحقوق الإنسان والديموقراطية…
لقد أثبتت مقولتا “يجب إزالة الطائفية من النفوس قبل النصوص” أو “من النصوص قبل النفوس” عقمهما. فالتراصف الناشئ عن الانقسام بين القائلين بصحة إحدى المقولتين دون الأخرى، يجعل إزالة الطائفية أمراً بعيد المنال، ويشلّ أي عمل جدّي للوصول إلى إزالتها. فينبغي العمل على إزالة الطائفية من النصوص والنفوس معاً، عبر مشاريع القوانين التي تأخذ في الاعتبار المواطنة أساساً لها من جهة، وعبر التنشئة والتربية والتعليم من جهة أخرى.

جريدة النهار-  11 / 01 / 2012

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share