باسيليوس نصّار والجهاد الأحسن

mjoa Wednesday February 1, 2012 170

كان مقاتلاً، لكنه لم يكن كسائر المقاتلين. كان محارباً، لكنه لم يشبه أياً من المحاربين. كان مسلّحاً، لكنّ أسلحته ليست من هذه الدنيا. كان ثائراً، لكن ثورته ليست من هذا العالم، وإنْ كانت في هذا العالم. كان يقتدي بيسوعه. كان عمره على عتبة الثلاثين عاماً. كان اسمه باسيليوس نصّار. أصبح اسمه الشهيد باسيليوس نصّار.

هو من قرية كفربهم في محافظة حماة. نشأ في قريته، وطلب العلم اللاهوتيّ في معهد القديس يوحنا الدمشقي بجامعة البلمند، وحاز درجة الماستر في اللاهوت، ثم عاد خادماً لكنيسة قريته. قتلته رصاصات الغدر الأسبوع الفائت وهو في مهمة إنسانية إذ كان يحاول إسعاف أحد المصابين من أبناء رعيته.

كان سلاح باسيليوس الإنجيل الشريف، ودرعه الصليب المحيي، وسيفه الحقّ القاطع، وترسه البر والتقوى، وحصنه الكنيسة المقدسة التي اقتناها الرب بدمه الكريم. حمل المحبة لواءً يستظلّه ضدّ الكراهية والتعصب، ورفع الرجاء سوراً يواجه به الظلم والقهر، وجاهر بالإيمان بمعلّم لم يترك شريعةً سوى وصيّة واحدة: “أحبّوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم”.

كان باسيليوس يؤمن بأنّ “العبد ليس أفضل من سيّده”. تفوّه المسيح بهذا الكلام عندما غسل أرجل تلاميذه ليلة صلبه. حمل باسيليوس مئزره وطاف يخدم الفقراء والمساكين والمحتاجين والمعوزين والمرضى والزمنى والأرامل والأيتام والعجزة… وفي رحلته الأخيرة، أراد أن يكون كذلك السامريّ الذي اعتنى بذاك الذي “وقع بين أيدي اللصوص” جريحاً ينازع الموت. هو تجاوز ما صنعه السامريّ، إذ إنّه لم يكتفِ بتأدية المال لمعالجة الجريح، بل دفع دمه فداءً لينقذ إنساناً من الموت. مات هو ليحيا إنسان آخر. فبلغ بالشهادة إلى أقصاها.

لم يؤمن باسيليوس، كمعلّمه المصلوب، بالعنف سبيلاً إلى الدفاع عن المظلومين. آمن بالكلمة الحقّ، وبالكرامة الإنسانية، وبالحرية التي هي صورة الله في الإنسان. لم يحمل سلاحاً للدفاع عن أبناء رعيته بل حمل كفنه الأبيض. لم يحمل راية بيضاء يستسلم بها أمام الحقد الأعمى والفتنة التي اشتعلت بين أبناء الوطن الواحد والمدينة الواحدة والقرية الواحدة، بل رفع راية المحبة التي وحدها تقضي على الحقد وتنتصر عليه. ليس بالحقد ينتصر المرء على الحقد. هذا ما قاله لنا باسيليوس في استشهاده.

يأتي باسيليوس من كنيسة أنجبت آلافاً من الشهداء القدّيسين، من كنيسة تعتبر شهادة الدم أسمى الشهادات. هو يأتي من كنيسة لم يكن عصرها الذهبيّ عصر تحالفها مع الدولة، بل كان عصرها الذهبيّ عندما كانت تحيا وتنتشر وتبشّر في ظل الاضطهادات التي مارستها ضدّ أبنائها الدولة الرومانية الطاغية. هو يأتي من كنيسة يقول أبناؤها: “إننا به (بالرب) نحيا ونتحرّك ونوجد”، وليس بسواه.

تهمّنا معرفة الجهة التي قتلت الأب باسيليوس الشهيد الجديد، وإن كان ذلك صعباً في خضمّ الحروب الداخلية. لكن يهمّنا أكثر عدم المتاجرة بدمائه الطاهرة، وعدم استغلالها في البازار الفتنوي الداخلي. غير أن الواقع المرير يشير إلى أنّ مواطناً سورياً شريفًا قُتل برصاص سوري أطلقه مواطن سوري. هذا هو الأمر الأشدّ إيلاماً، أن يسقط أبناء الوطن الواحد بعضهم برصاص بعض.

طوبى للكنيسة الأرثوذكسية بانضمام باسيليوس الحبيب إلى قافلة شهدائها الأبرار. طوبى له لأنه أكمل السعي وأتمّ الجهاد الحسن. وهل ثمّة أبهى من هذا الجهاد؟

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share