“أحد الدينونة” المُسَمّى ايضًا “مرفع اللحم” هو آخر يوم من الموسم نأكل فيه لحمًا ويحق لنا أكل السمك والبياض. اتّخذته الكنيسة فترة انتقال ليّن من الزفر الكامل الى الإمساك الكامل.
قرأت علينا الكنيسة فصلا من متّى متعلّقًا بالدينونة لكي نفحص قلوبنا قبل ولوج الصيام ونتنقّى أخلاقيا بحيث إنه قبل دخول الصيام نعرف هدفه وهو تطهير النفس من خطاياها. فأراد السيد أن نعرف اننا سنُدان وأن علاقتنا به ليس فيها مزح. لذلك أعطى عن الدينونة الصورة الواردة في إنجيل متّى. استعار صورة الجداء ليتكلّم عن الذين ارتكبوا الخطيئة طوعًا، وأخذ صورة الخراف ليتكلّم عن الأبرار الذين عملوا الصالحات. وهو عرّف عن نفسه انه جالس على العرش.
في هذا الإنجيل يسوع ديّان. يعطي الأبرار الملكوت المعَدّ لهم منذ إنشاء العالم، وينسب اليهم أعمالا حسنة مذكور بعضها في التطويبات (متى 5). في هذه يقول: “طوبى للجياع والعطـاش”. يوضح ايضًا أن همـّه العـريـان والمـريـض والمـحبـوس لـمـّا سـألـه الصالحـون: متى رأيناك جائعًا وغريبًا إلخ…؟ قال ما هو محور هذا الفصل الإنجيليّ: “بما أنكم فعلتم ذلك بأحد إخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموه”.
السيد يوحّد نفسه مع كل هؤلاء المحتاجين، ويسمّي المحتاجين إخوته الصغار وهذه صيغة تحبّب.
بالتوازي مع أسئلته للأبرار، يقول للأشرار “جُعتُ فلم تُطعموني… كنت غريبًا فلم تؤوني”. يسأل الأبرار: متى رأيناك عطشانًا او غريبًا او عريانًا؟ من الطبيعي أن يأتي جوابه: “بما أنكم لم تفعلوا ذلك بأحد هؤلاء الصغار فبي لم تفعلوه”.
ربما يعيش الكثيرون كأن الدينونة لن تحصل. نُكرّر الخطايا على أمل أن نتوب، ولا نتوب. التوبة لا تؤجَل لأنها اذا أُجّلت ففي حالات كثيرة تبقى مؤجّلة ويموت الإنسان بخطيئته.
اذا كنا نفرّق بين الخير والشر، فالمحاسبة طبيعية، وإلا كان الله نفسه لا يفرّق بين الخير والشر. اذا غاب الله عنك بسبب شر ارتكبته، تبقى نفسك بعد موتك على حالتها. تتّكل على رحمة الله؟ هذا شغل الله. انت شغلك التوبة.
حقيقة الدينونة واردة عقليًا. فمن الطبيعي إذا واجه الصالح بعد موته ربه أن يفرح بهذه المواجهة. هذه هي السماء. واذا واجهه وهو ضده، يضطرب او يخاف، وهذه هي الجحيم. لا يكون الله عادلا اذا ساوى بين الصالح والطالح.
في الحقيقة أنت تختار سماءك او جهنّمك. ليس الله يحكم عشوائيا او تعسّفًا. السماء فيك او جهنم فيك حسبما كان وضعك على الأرض.
هناك مَن تأمّل أن الله سيُلغي الجحيم بحسب رحمته. جُلّ ما أقوله أن كلامًا كهذا غير وارد في الإنجيل.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).
رَعيّـتي: تصدرها أبرشيـة جبيـل والبتـرون للـروم الأرثـوذكـس