هجرة المسيحيين الفلسطينيين وتحديات البقاء

mjoa Monday February 20, 2012 164

الهجرة:
يمكن تعريف الهجرة على أنها حركة سكانية يتم فيها انتقال الفرد أو الجماعة من الوطن الأصلي إلى وطن جديد يختاره نتيجة أسباب عديدة.
 
يمكن تصنيف الهجرة إلى نوعين:
– الهجرة الاختيارية: وهي التي تتم بالمبادرة الفردية عادة والرغبة في الانتقال إلى وطن جديد من اجل الأفضل.
– الهجرة الإجبارية (التهجير): والتي تتم بواسطة قوة خارجية تفرض على غير إرادة الأفراد أو الجماعات وتنشط في فترة الحروب.
 
كما يمكن تصنيف الهجرة إلى نمطين:
 
– الهجرة الدائمة: وهي التي يهاجر الفرد أو الجماعات على الوطن الجديد دون عودة وهي الهجرة الأكثر خطورة.
 
– الهجرة المؤقتة: حيث يهاجر الفرد أو الجماعة إلى وطن جديد بشكل مؤقت بغية التحصيل العلمي، أو تحسين الوضع المعيشي أو لأسباب سياسية ولكن يعود إلى وطنه الأصلي في نهاية المطاف، وهذا النمط من الهجرة لا يشكل خطورة كبيرة على المجتمع وله بعض الفوائد.
 
أسباب الهجرة:
 
– العلم.
– البحث عن عمل أفضل.
– البحث عن ظروف معيشية أفضل.
– اكتساب الخبرات والتعرف على الشعوب الأخرى.
– النجاة من الكوارث الطبيعية.
– الحروب والنجاة من الموت أو الحرب أو الاعتقال.
 
ايجابيات الهجرة:
 
– التعارف بين الشعوب.
– الحصول على التعليم الجيد.
– الحصول على خبرات عديدة لا تكتسب إلا بالهجرة.
– الاستفادة من خبرات الشعوب الأخرى.
– العيش في حالة اقتصادية أفضل.
 
سلبيات الهجرة:
 
– فقدان كل أو جزء من الهوية والعادات والتقاليد.
– نسيان لغة الأم وخصوصا عند أبناء المهاجرين وأحفادهم والأجيال التي تليهم.
– فقدان الدولة لعمالها وعلماءها.
– ترك الماضي والذكريات ونسيان الوطن إذا طالت مدة الهجرة.
 
ومن ناحية أخرى فان الهجرة تشكل خطر داهم مهدد للكيان المسيحي في الأراضي الفلسطينية اليوم فهي تقلص الأعداد وتغرب العربي عن بلده وأرضه. والهجرة مصدرها عدم الاستقرار السياسي وظلام المستقبل والتوق إلى سلام ولو في الغربة. ومن ثم صنع السلام في فلسطين وفي المنطقة بأكملها هو العامل الأول لترسيخ العرب المسيحيين في أوطانهم. واستقرار البلاد وديمقراطيتها وترتيب العلاقات العامة والخاصة، كل هذا له شأن في هذا الدفع نحو الخارج أو في الحيلولة دونه.
 
أما أسباب التراجع الديموغرافي فهي عديدة وأهمها:
 
 تحديد النسل الممارَس لدى العائلات المسيحية أكثر مما هو ممارس لدى المسلمين. الهجرة خارج دول الشرق الأوسط، وهو السبب الأبرز لاستنزاف المسيحيين ديموغرافياً. أما الأسباب التي تدفع ليس فقط المسيحيين بل أيضا المسلمين العرب إلى الهجرة فهي عديدة، أهمها، ولا شك، العامل الاقتصادي. وهناك أيضا أسباب تتعلق باللاديموقراطية في بعض الأنظمة العربية، وبالتوترات السياسية والاجتماعية، إذا لم نقل الحروب الأهلية، وغير ذلك.
 
أما بخصوص الهجرة المسيحية في فلسطين:
 
 يمكن القول بان الهجرة الأساسية للمسيحيين الفلسطينيين بدأت تأخذ طابعا سياسيا منذ منتصف القرن الماضي، وكان هدفها أو هكذا تبدو وكأنها محاولة لتفريغ فلسطين من مكوناتها الحضارية وتنوعها وفق ما تسعى إليه السياسة الإسرائيلية التي سعت وتسعى لتخريب ثقافة الشعب الفلسطيني عن طريق اقتلاعه من مواطنه الأصلي وبعثرته في العالم ليتسنى لها استعمار الوطن الفلسطيني.
 
أسباب هجرة المسيحيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة:
– أسباب سياسية.
– بحثا عن العمل.
– طلبا للعلم.
– للالتحاق بالأسرة.
 
بالإضافة إلى:
– تقليص فرص العمل المتوفرة للمسيحيين التي تتلاءم مع مؤهلاتهم ومهاراتهم العلمية، خاصة لدى الأكاديميين.
 
– الأوضاع السكنية الصعبة وارتفاع أسعار الأراضي المقررة للبناء وبنسب غير معقولة خاصة في المدن حيث يتواجد معظم السكان المسيحيين.
 
– تواجد أكثرية المسيحيين في المدن دون ارتباطا بالأرض والعمل الزراعي، مما يسهل عليه الهجرة والتنقل.
 
– إهمال القيادات الروحية ومعظمها غريبة عن سكان البلاد لوجباتها في تقوية انتماء المسيحيين للكنيسة الوطنية وارتباطهم بها، وجمعهم حول مؤسساتها الاجتماعية.
 
إحصائيات حول أعداد المسيحيين
 
– في الفترة بين سنة 1967-1993 غادر الضفة الغربية وقطاع غزة حوالي 13000 مهاجر مسيحي منهم 8000 في الضفة الغربية و5000 في قطاع غزة، أما اليوم يغادر مناطق الضفة وقطاع غزة حوالي 600 شخص سنوياً.
 
– عدد المغتربين من منطقة بيت لحم هو حوالي 100000 بينما عدد المغتربين في بيت جالا في تشيلي يصل إلى 25000، وان حوالي 2000-3000 مسيحي غادروها في السنوات 1967-1970
 
هناك إحصائية تشير إلى أن عدد المسيحيين في بعض البلدان العربية حالياً على سبيل الذكر لا الحصر:
 
– السودان ومصر (12 مليون).
– العراق (500000 إلى 600000).
– الأردن (140000-165000).
– سوريا (ما يقارب المليونين).
– لبنان (1.3-1.5 مليون).
– فلسطين (50000).
– الأراضي الفلسطينية سنة الـ48 (130000).
 
كما وهناك إحصائية أخرى تشير إلى أن عدد المسيحيين سنة 1948 كان حوالي 150000 هاجر منهم 50 ألف إلى الخارج بعد النكبة. أما الآن فان عدد المسيحيين المسجلين في فلسطين نحو 400 ألف منهم 51 ألف في الضفة و114 ألف في فلسطين المحتلة، والباقي في الخارج.
 
أما ما بقي من الفلسطينيين المسيحيين على ارض وطنه، لم يعد يتجاوز تعدادهم الـ167 ألف بينهم  قرابة:
 
– 115 ألف في أراضي ال48.
 
– 52 ألف في المناطق المحتلة سنة 1967 منهم:
– 40 الف في الضفة الغربية.
– 9 آلاف في القدس.
– 3 آلاف في غزة.
 
وهناك إحصائية أخيرة تقول بأن مجمل عدد المسيحيين في مدينة القدس سنة 1944 تجاوز 29350 فردا أما الآن أصبحوا 10982 فردا.
 
الآثار السلبية للهجرة
 
تؤثر الهجرة سلبيا على تركيبة المجموعة السكانية التي  يأتي منها المهاجرين، فمن ناحية يزداد متوسط العمر لهذه المجموعة بفعل هجرة فئة الشباب، وتصبح المجموعة اكبر سنا من بقية السكان مما يؤثر على نشاطاتها وفعالياتها. وتتأثر كذلك نسبة النوع في هذه المجموعة إذ تصبح لديها أعداد اكبر من النساء مقابل الرجال. ولكن الأثر الأسوأ يكمن في ما يسمى بهجرة الأدمغة أي هجرة تلك الطاقات والمهارات الضرورية لاستمرارية ليس فقط الجماعة نفسها وإنما المجتمع ككل.
 
تحديات البقاء للفلسطيني
 
– العمل على سبيل العدل والسلام والخروج من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالحل العادل الدائم، بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
 
– العمل على توفير القيم المجتمعية التي توثق العلاقات في هذه الأيام الصعبة، بين مختلف أبناء الوطن ولاسيما في المجال الديني.
 
– مواجهة الأوضاع الاقتصادية الخانقة بدعم اقتصادي جاد، يولد الثقة في قلوب من يرون في الهجرة نجاة وخلاصا.
 
كيفية التصدي لظاهرة الهجرة:
 
إن التصدي لهذه الظاهرة البالغة الخطورة، إنما يأتي:
 
– في إطار التصدي للمشروع الاستعماري الذي يرمي إلى تمزيق واسترقاق شعوب الوطن العربي، ويأتي كذلك، من خلال بلورة “قومية ثقافية” توحِّد مكونات العالم العربي السكانية، وذلك في ظروف غياب الوحدة السياسية. ويأتي من ثم، من خلال تجاوز النموذج القومي الأوروبي الذي أقام تعارضاً مصطنعاً بين العروبة والإسلام، ويأتي بعد ذلك، باستعادة الكنائس الشرقية لهويتها، وكذلك عن طريق ربط الجاليات العربية المهاجرة بقضايا أمتها وشعوبها. وفي ظل المرحلة التي تعيشها أمتنا من ضعفٍ أمام الهجمة الاستعمارية، فإن المقاومة، هي التي تشكل عامل إنهاض للأمة، وأداة توحيد لصفوفها، ومصدر اعتزاز بهويتها وبإرثها الحضاري، وبالتالي مصدر تحصين للجميع أمام دوافع الهجرة.
 
– الحوار: فالحوار الإسلامي المسيحي في سبيل عيش مشترك أفضل هو أيضا من العوامل التي تحد من الهجرة. وهو حوار العيش معا، والبناء معا، ومواجهة التحديات معا، وهو معرفة متبادلة أفضل، تؤدي إلى قبول للآخر على اختلافه، فلا يبقى في الوطن وفي الحضارة العربية الواحدة آخر يؤمن إيمانا مختلفا، بل يصبح الآخر وإن اختلف في إيمانه المسيحي أو المسلم أخا معه يبني ويتقدم ويواجه التحديات ويصمد في وجهها. لقد عشنا معا قرونا وأجيالا مسلمين ومسيحيين. وهناك  ضرورة الى اتخاذ خطوات جديدة لتقوية الروابط وترسيخ قاعدة الحضارة الواحدة والدفاع عنها. أمام التحديات التي تواجهنا مسيحيين ومسلمين، نحن بحاجة إلى تربية جديدة تتثبت المسلم والمسيحي في إخلاصه لإيمانه وأرضه معا، تؤمن بالمساواة وتعيشها.
 
– العدل: في الأراضي المقدسة ما زالت الدماء تسيل بغزارة، تستصرخ من يوقفها. والعدل هو الذي يوقفها. والحق العربي والفلسطيني هو الذي يوقفها وهو الذي يزيل العذر الذي يحاول أن يبرر استمرار سفك الدماء أي الأمن الإسرائيلي. لأن الأمن الإسرائيلي له باب واحد وسياج واحد. لا هو في الأسلحة ولا هو في تأييد العالم له. بل هو في العدل إذا تحقق، وإذا المظالم توقفت فتصير القلوب الصديقة، وهي فقط، باب الأمن وسياجه المنيع.
 
إن مهمة الكنائس المسيحية هي أن تقف إلى جانب كل مظلوم وفقير، إلى جانب كل مظلوم يطالب بأرضه وحريته، لتكون صوتا وحمى له، مهما طالت المحنة وتنوعت. ومهمتها أن تطلب الأمن والسلام للجميع. وأن تبقي الأمل حيا في نفوس الناس حتى يحق الحق.

د. حنا عيسى

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share