إنطلاقة حركة الشبيبة الأرثوذكسية من أوائل 1941 إلى أواخر 1942
ولدت فكرة تأسيس حركة دينية تهدف إلى النهضة الكنسية بوسائل روحية في أفكار شباب من جيلنا وخاصة عند الذين منهم كانوا يدرسون في المدارس الكاثوليكية. فما أن يبلغ الشاب سن الخامسة عشرة أو السادسة عشرة حتى يصبح الدين بالنسبة إليه أما غذاء روحياً حقيقياً أو لا شيء إطلاقاً. قد يرتاح في عهد الطفولة للطقس البيزنطي أو يعجب بروعة الليتورجيا في أسبوع الآلام، ولكن ما أن يبلغ سن الشباب حتى يصبح في حاجة إلى من يقوده كما أنه ينتظر من دينه أن يحل مشاكله النفسية. ولكن أية مساعدة كانت الارثوذكسية تستطيع تقديمها لمثل هذا المراهق الذي يتربى في مدرسة كاثوليكية. يرى رفاقه الكاثوليك يعترفون لكهنة يدركون ماهية الاعتراف الصحيح، ويحضرون مختلف الاجتماعات الدينية التي تغذي الشعور الديني في نفوسهم فيحيون حياة دينية صحيحة، ثم يلتفت نحو كنيسته فيجدها غير مكترثة لحياته الروحية، فيسيطر القلق على أفكاره ويقع في حيرة من أمره.
هل يجب عليه أن يغيّر مذهبه ويصبح كاثوليكياً؟ مشاعر متناقضة تتنازعه، تولّدها أحياناً العبارات القاسية التي يعرض بها أساتذته وضع الارثوذكسية المؤلم، وتارة محيطه العائلي الذي يشد به، فقط بدوافع تقليدية وأسباب سطحية، إلى المحافظة على إيمان أجداده، وهكذا تدب الحيرة في نفسه ويصبح صيداً هيناً على الإلحاد، ولكن في بعض الأحيان التي يصفو فيها فكرة ويعمل متحرراً من القلق تلتمع في ذهنه كالبرق فكرة تتضح من التعمّق وتصبح ضرورة ملحة ألا وهي وجوب المحافظة على أرثوذكسيته شرط أن يعمل من أجل نهضة الارثوذكسية.
تلك كانت الأفكار المتضاربة التي تتنازع فريقاً من تلاميذ معهد الفرير في بيروت خلال السنة الدراسية 1940-1941 ومنهم جورج خضر وألبير لحام ومتري قصعة وإدوار لحام وغيرهم من طلاب الفلسفة.
كانوا شباباًَ يقرأون “برغسون” في نزهاتهم ويناقشون بعض آراء أفلاطون في ساحة المدرسة وكان الدين النقطة الارتكازية لاهتماماتهم. كيف ولدت فكرة تأسيس حركة أرثوذكسية؟ كان سبب ولادتها المباشر حدثاً غير منتظر.
خلال تلك السنة الدراسية 1940-1941 قام شاب أرثوذكسي حادّ الذكاء وافر النشاط يدعى جورج برجي، بتأسيس فرع لجمعية J.E.C. (جمعية الطلاب الكاثوليك) العالمية المرتبطة بالكنيسة الكاثوليكية عن طريق منظمة العمل الكاثوليكي العلمانية المعرفة (L’action catholique) والتي كانت مهمتها نشر المسيحية في الأوساط المدرسية والجامعية، كانت تلك الجمعية في جميع أنحاء العالم جمعية كاثوليكية، أما في لبنان فقد أراد جورج برجي أن يجعل منها جمعية مسيحية عامة تضم أعضاء كاثوليكيين وأرثوذكسيين وعند الضرورة بروتستانت. فوجّه نداء إلى الشباب من مختلف المذاهب المسيحية، وكان هو آنذاك أميناً عاماً للجمعية، فألف فروعاً وفرقاً لها في مختلف مدارس بيروت ومعاهدها وفي معهد الفرير وجه نداء إلى الشباب الارثوذكسيين الذين ذكرنا أسماؤهم آنفاً. فكان أن تألفت فرقة تابعة لجمعية الشبيبة الطالبية المسيحية J.E.C برئاسة ألبير لحام أعضاءها جورج خضر وإدوار لحام ومتري قصعة وغيرهم من الشبان الكاثوليك والارثوذكس…
ولكن لم يكن شبابنا الارثوذكسيين مرتاحون ارتياحاً كاملاً في جمعية الـJ.E.C. كان مرشدها كاهناً يسوعياً، وكان اليسوعيون والفريرات يلعبون دوراً هاماً في إدارتها كما أن القداديس الرسمية كانت تقام في الكنائس اللاتينية والاجتماعات العامة في المدارس الكاثوليكية. لذلك بدأ شبابنا الارثوذكسيون في ربيع عام 1941 يحاولون الانسحاب من هذه الجمعية التي أصبحوا يلمسون فيها خطراً على إيمانهم بكنيستهم، وكان جورج خضر هو الذي أخذ على عاتقه إقناع رفاقه بأن جمعية الـJ.E.C تحاول إجتذاب الشبان الارثوذكسيين.
وعلى بعد مئتين وخمسين كيلومتراً الى الشمال كان شبان آخرون يقلقون من وضع الكنيسة الارثوذكسية. كان مرسيل مرقص وكاتب هذا التاريخ قد أسسا، بالاشتراك مع شبان آخرين في اللاذقية، نادياً باسم “نادي الشباب” وكانوا يهدفون من وراء تأسيس هذا النادي الثقافي الرياضي الى خلق اصلاح روحي واخلاقي بين ناشئة اللاذقية، إلا أن هذا النادي الذي تأسس في 29 كانون الأول 1940 لم يكد يبدأ عمله حتى قامت خلافات داخلية منعت مرسيل مرقص والكاتب من تحقيق الهدف الذي كان يرميان اليه من تأسيسه، فاضطرّا آسفين لرؤية نادي الشباب يسير في غير الطريق التي رسماها عند تأسيسه، وإلى البحث عن مجالات أخرى يحققان فيها آمالهما بالإصلاح أصبحت الأزمة التي تعانيها الكنيسة الارثوذكسية شيئاً فشيئاً الموضوع الدائم لأحاديثهما.
وهكذا بينما كان فريق من الشبان في بيروت خلال عام 1941 يتحدثون عن النهضة الارثوذكسية، كان شابان غير معروفين من هؤلاء يتحدثان أيضاً أثناء نزهاتهما على شاطئ البحر في اللاذقية عن النهضة.
أقبل صيف عام 1941 وافترق هؤلاء الشباب الذين نتكلم عليهم وتفرقوا في مختلف مراكز الاصطياف كان ألبير لحام ومتري قصعة يصطافان في ضهور الشوير، وجورج خضر يقضي الصيف في الحدث ( من منطقة طرابلس) وكاتب هذا التاريخ في صلنفة (من جبال العلويين) ومرسيل مرقص في اللاذقية، وفي ذلك الصيف تجسدت فكرة تأسيس حركة النهضة الأرثوذكسية في بعض الرؤوس، وظهرت عن طريق مراسلات تبادلها هؤلاء الشبان.
بتاريخ 15 تموز 1941 بعث مرسيل مرقص من اللاذقية إلى الكاتب في صلنفة برسالة جاء فيها ما يلي: “لست أدري ما إذا كان (فلان) قد حدثك عن حركة التقويم الأرثوذكسي التي يجب أن نؤسسها، حركة أخلاقية، حركة فكرية من هذه الأفكار التي تقود العالم، سوف أحدثك مطولاً عن هذا الموضوع في فرصة أخرى”.
وبعد ثلاثة أيام من ذلك التاريخ أي يوم 18 تموز 1941 كتب جورج خضر (الذي لم يكن يعرف آنذاك مرسيل مرقص ولا الكاتب) من الحدث إلى ألبير لحام في ضهور الشوير رسالة نقرأ فيها “… وكن كيف نستطيع أن نعيد إلى الارثوذكسية نفخة الروح إن لم يكن بتأسيس حركة أرثوذكسية. أن هذا يتطلب عملاً جماعياً وليس عملاً منفرداً. يجب أن نبعث الشعور الروحي بين أبناء ديننا ولهذه الغاية لا ينفع سوى تيار حيوي فعال. تنتظرنا أعمال كبيرة والمستقبل لنا لأن يسوع معنا”.
وهكذا في شهر تموز ذاته من سنة 1941 ومن مكانين مختلفين في الكرسي الانطاكي، تكلم شابان على تأسيس “حركة” أرثوذكسية.
ولدت الفكرة وكان يجب أن توضع موضع التنفيذ.
نمت فكرة النهضة الارثوذكسية وترعرعت خلال صيف عام 1941 في نفوس هؤلاء الشباب وما أن إنتهى ذلك الصيف وأقبل الخريف حتى ضمت الحياة الجامعية معظمهم في مدينة بيروت. ففي تشرين الثاني 1941 التقى في معهد الحقوق في العاصمة اللبنانية كل من جورج خضر ومتري قصعة وألبير لحام وكاتب هذا التاريخ، كما التقى في كلية الطب إدوار لحام وميشال خوري.
وكذلك لما بدأت السنة الدراسية باشرت جمعية الطلاب الكاثوليك L.E.C نشاطها في معهد الحقوق وانتسب الكاتب الى تلك الجمعية، فإنضم الى فرقة طلاب معهد الحقوق التي كانت تتألف من أعضاء كاثوليكيين وارثوذكسيين ومن بينهم متري قصعة.
خلال شهر تشرين الثاني 1941 عقدت الفرقة المذكورة عدة إجتماعات واشتركت في بعض الاحتفالات الدينية. وفي أحد إجتماعات الفرقة صرح رئيسها بأن من الضروري بذل جهود لضم أكبر عدد من طلال معهد الحقوق الى جمعية الـL.E.C وأحضرت لهذه الغاية قائمة بأسماء طلاب المعهد وعرضت على أعضاء الفرقة، فأخذ كل منهم على عاتقه الاتصال بالبعض منهم. في تلك الاثناء ورد اسم جورج خضر والبير لحام على بعض الالسنة فإذا برئيس الفرقة يقول: “من العبث دعوة هذين الى دخول الـL.E.C فقد بلغني أنهما في طريقهما الى تأسيس حركة أرثوذكسية صرف”.
وعند انقضاض الاجتماع سأل الكاتب متري قصعة قائلاً : “ما هي هذه الحركة الارثوذكسية التي تحدثوا عنها أثناء الاجتماع” فأجابه متري: “جورج خضر وألبير لحام صديقان لي كانا معي السنة الماضية في صف الفلسفة في معهد الفرير. وقد تداولنا مراراً في موضوع تأسيس حركة أرثوذكسية ولكنني أظن ان هذا العمل يخلق التفرقة بين صفوف الشبيبة المسيحية وجمعية الـ L.E.C. حركة مسيحية لا تتدخل في الخلافات الكاثوليكية – الارثوذكسية، فعلينا أن نبقى فيها وقد حاولت مراراً إقناع جورج خضر والبير لحام بالبقاء في هذه الجمعية والاقلاع عن محاولتهما تأسيس حركة الجديدة إلا أنهما لم يقنعا مني”.
بعد فترة من الزمن تعرفت إلى جورج خضر، وكنت إلى ذلك الحين أراه في أروقة معهد الحقوق يتجول مع أصدقائه من طلاب الفرير سابقاً. تعرّفت عليه بينما كان برفقة متري قصعة وكنا نحن الثلاثة خارجين من كاتدرائية القديس جاورجيوس في أحد الآحاد في أوائل شهر كانون الأول. قطعنا معاً طريق سوق النورية دون أن يثير أحدنا موضوع الحركة الارثوذكسية، وقد لاحظت أن جورج حضر وهو يعلم أنني عضو في جمعية الـ J.E.C، لم يشأ أن يتعرض لهذا الموضوع.
وبعد بضعة أيام من تعارفنا أثار جورج ذلك الموضوع لأول مرة، كنت أقول له أننا نستعد لتأسيس حفلات موسيقى كلاسيكية في جمعية الـ L.E.C عندما إغتنم الفرصة ليقول لي: “أننا نريد أن نرى معنا جميع الشباب الارثوذكسيين فاصطنعت الدهشة وسألته عن كلمة “معنا” فأجابني “أننا نسعى لتأسيس منظمة تعمل للنهضة الارثوذكسية”.. (وهنا يروي الكاتب ما جرى من مفاوضات بين L.E.C وشبابنا من أجل حثهم على عدم تأسيس حركة أرثوذكسية).
وفي مطلع عام 1942 كان عدد الشباب الارثوذكسيين من الطلاب الذين يفضلون تأسيس حركة ارثوذكسية مستقلة تمام الاستقلال عن الـL.E.C قد أخذ في التزايد. وأثناء إجتماع عقد في منزل ميشال خوري وضم فريقاً من الطلاب بدأت فكرة الحركة الارثوذكسية ترسخ في الأفكار، وكان القليلون منهم يؤمنون بجدية المحادثات الدائرة مع ألL.E.C.
وخلال إجتماع عقد في 6 شباط 1942 وضم ما يقارب العشرة طلاب، تقرر تأليف لجنة تتولى تهيئة قانون الحركة وقد إختير لهذه المهمة كل من جورج خضر وجبرائيل دبس وجبرائيل سعاده.
إجتمعنا نحن الثلاثة مراراً عديدة خلال شهر شباط 1942 في الغرفة التي كان يقطنها جورج خضر في حي الجميزة لوضع قانون للمنظمة الجديدة. وأثناء أحد تلك الاجتماعات إختار جورج خضر لهذه المنظمة أسم “حركة الشبيبة الارثوذكسية”.
كان القانون الذي نعمل على صوغه ينص على أن أعضاء الحركة في المدينة يؤلفون “مركزاً” يديره رئيس مركز ويقسم المركز الى فرق وفروع كما تدير الحركة بمجموعها امانة عامة مؤلفة من خمسة أعضاء بينهم أمين عام منحه القانون صلاحيات واسعة.
عرضنا أعمال لجنتنا على بقية الطلاب خلال إجتماع عقد في أوائل آذار 1942 فناقش الحاضرون بعض تفاصيل القانون المعروض عليهم، وأعطونا مهلة بضعة أيام لوضعه في صيغته النهائية، كما تقرر تعيين 16 آذار موعداً للاجتماع القادم لإقراره.
وخلال النصف الأول من آذار عقد في غرفة الطالب جود خوري إجتماعاً روحي بحت لا علاقة له بوضع قانون الحركة، وكان أول إجتماع روحي للحركة رئسه متري قصعة فتلى علينا فصلاً من أعمال الرسل وعلّق عليه مذكراً إياناً بما يجب أن نشعر به من المسؤولية الملقاة على عواتقنا والتي تشبه مسؤولية الرسل في فجر المسيحية.
ثم أقبل 16 آذار 1942 ذلك اليوم الذي أعتبر التاريخ الرسمي لتأسيس حركة الشبيبة الارثوذكسية، والذي نعيد فيه كل سنة وفي جميع المراكز إبتهاجاً بذكرى فجر النهضة الارثوذكسية وقد عقد ذلك الاجتماع التاريخي في الساعة الثالثة من بعد الظهر في منزل جبرائيل دبس.
من المؤسف أن لا يكون لذلك الاجتماع محضر رسمي، كنا يومئذ متحمّسين لدرجة لم تسمح لنا بالتفكير في التفاصيل الإدارية، وسنحاول هنا وصف وقائع ذلك الاجتماع المهم على قدر الإمكان:
بدأ الاجتماع بالصلاة وكان حاضراً الاجتماع المذكور الطلاب الستة عشر الآتية أسماؤهم:
جورج خضر، متري قصعة، جبرائيل دبس، البير لحام، إدوار لحام، ميشال خوري، جبرائيل سعادة، لطف الله ملكي، نقولا عبدوش، أندره عبدوش، إيلي برباري، جود خوري، إيلي صليبي، عوني تامر، فردينان داغر، جوان عوض.
بدأ الاجتماع بتلاوة القانون فأقره الحاضرون وتقرر عرضه على راعي أبرشية بيروت ليقترن بموافقته. ثم إنتقل المجتمعون الى إنتخاب الأمين العام فوزعت الأوراق على الستة عشر شخصاً الحاضرين وبنتيجة الانتخاب نال جورج خضر الاكثرية وأصبح أميناً عاماً لحركة الشبيبة الارثوذكسية وقد ألقى على الاثر خطاباً مقتضباً ختم الاجتماع على أثره بالصلاة.
ولدت حركة الشبيبة الارثوذكسية إذاً رسمياً في 16 آذار 1942 ولست أدري ما إذا كنا، ونحن في حافلة الترامواي التي نقلتنا من منزل جبرائيل دبس إلى بيوتنا، نشعر في ذلك المساء بالحدث التاريخي الذي تمّ على أيدينا. ونحن لم نذكر ، بعد تلك السنين الطويلة، كيف كان شعورنا في ذلك المساء إلا أنه بعد بضعة أعوام، وعندما بدأنا نعيد لذكرى تأسيس حركتنا في بيروت ودمشق وطرابلس واللاذقية وفي القرى العديدة التي تأسست فيها فروع الحركة بدأ المؤسسون الستة عشر يتأثرون بذكرى ذلك اليوم الذي دخلت فيه حركة الشبيبة الارثوذكسية تاريخ الكنيسة الانطاكية.
وغداة 16 اذار 1942 بدأت الحركة تتنظم وفقاً للترتيبات الملحوظة في القانون، وكان على الأمين العام بعد إنتخابه أن يعين مساعديه، وهكذا بعد أن إنتخب جورج خضر لقيادة الحركة في الاجتماع الذي أتينا على ذكره عمد الى تأليف الأمانة العامة على الوجه التالي: جورج خضر : للأمانة العامة
البير لحام: مسؤولاً عن الداخلية ورئيس مركز بيروت.
إيلي صليبي : مسؤولاً عن المالية
جبرائيل سعادة: مسؤولاً عن المراكز.
ميشال خوري : مسؤولاً عن الدعاية.
وقد بدأت هذه الأمانة الأولى لحركة الشبيبة الارثوذكسية في اول إجتماعاتها، بدراسة موضوع الاعتراف بها من قبل السلطة الروحية. ولما كانت حركتنا محصورة آنذاك في مدينة بيروت فقد تقرر تقديم القوانين لسيادة مطران الابرشية للتصديق عليها، على أن تقدم فيما بعد الى غيره من الاساقفة عند إمتداد الحركة الى أبرشيات أخرى.
وهكذا، خلال شهر آذار 1942 توجّه جورج خضر يرافقه كل من ميشال خوري وإيلي صليبي وكاتب هذا التاريخ لزيارة سيادة المطران إيليا صليبي، حيث عرض الأمين العام على سيادته قوانين الحركة وشرح له أهدافها وقد أبدى سيادته إرتياحاً كبيراً لتأسيس حركتنا ووعدنا بمعاضدة قوية وتشجيع دائم. وفي ذلك الاجتماع أثير أيضاً موضوع المرشد العام الاكليريكي فقال لنا سيادته: سيدرس الموضوع وأنه على الغالب سيعين الارشمندريت بولس خوري أو الشماس روفائيل شامية.
وبعد ذلك جاءت عطلة الفصح في نيسان 1942 وبما أنني كنت مسؤولاً عن المراكز فقد كان من الطبيعي أن أغتنم فرصة وجودي في اللاذقية لأحاول تأليف مركز فيها، وهكذا وعلى أثر بعض الأحاديث مع مرسيل مرقص وقف خلالها على كل ما جرى في بيروت، قرر دعوة بعض الشباب لتأليف مركز للحركة في اللاذقية. وقد عقد الاجتماع لهذه الغاية 11 نيسان 1942 الساعة السادسة مساء، ضمّ كلا من مرسيل مرقص الكاتب، جبر ائيل عطالله، جوزيف عفيف وجورج صالح وشرحت في ذلك الاجتماع مبادئ الحركة ثم جرى إنتخاب رئيس المركز فاختير مرسيل مرقص لرئاسة مركز اللاذقية.
وخلال الربع الثالث من تلك السنة المدرسية أي بين نيسان وحزيران 1942 شاهدت بيروت أنواعاً مختلفة من نشاط الحركة. إنتسب الى حركتنا أعضاء جدد ومن بينهم على وجه التخصيص فريق من شباب حي مار نقولا تألفت منهم فرقة برئاسة ميشال ربيز كما تألفت فرق أخرى من الشبان وغيرها من الشابات، وأخذت هذه الفرق المختلفة تجتمع بشكل منظم فتقرأ الانجيل في إجتماعاتها وتتأمل فيه وتدرس مواضيع مختلفة مما يتعلق بالنهضة الارثوذكسية.
وخلال تلك الثلاثة الأشهر تألفت أول جوقة حركية من الشبان والشابات وكنت مسؤولاً عنها. وقد تعلمت تلك الجوقة أول نشيد وكان باللغة الفرنسية وعنوانه “Le chant de la renaissance”.
وفي شهر حزيران القى الشماس روفائيل شامية في إجتماعات ضمت عدداً كبيراً من أعضاء الحركة سلسلة محاضرات عن الأيام الأولى للمسيحية.
كما وأن الاتصالات بين المسؤولين عن الحركة كانت تتزايد، ففي ذلك الربيع من عام 1942 كنا نتحدث في أروقة كلية الحقوق وفي شوارع بيروت وفي أية بقعة تجمعنا وكانت أحاديثنا كلها تدور حول حركة الشبيبة الارثوذكسية.
ويمكننا القول أن كل ما حققته الحركة بعد ذلك، إن كان في ما يتعلق بالرهبنات التي أسستها قرب طرابلس وبيروت أو بكلية اللاذقية أو بمجلة النور أو بغيرها، إنما يأخذ مصدره من تلك الأحاديث عن النهضة الارثوذكسية وعندما كان اليأس يتسرب الى نفوسنا فيما بعد، على أثر المقاومات التي واجهناها أو على أثر ضعف في إيماننا، كان لا بد لنا من التفكير في الأيام الأولى من نشاطنا وخاصة في تلك الايام من ربيع 1942.