كل عيد وأنتم بخير وكلّ سنة والحركة أكثر شهادة وخدمة والتصاقًا بالمسيح. بنعمة الله بلغت الحركة السبعين، وبنعمة الله وحده سيأتي من بعدنا من يحتفل في هذه الديار بسبعينات إضافية لانطلاق مسيرة نهضوية خادمة في كنيسة المسيح. في السبعين نجتمع لنهتف كما هتف الحركيون منذ سبعين، منذ ستين، منذ خمسين ومنذ عشرين، ومنذ لحظات أبانا الذي في السماوات… لتكن مشيئتك.
صاحب السيادة، أيّها الاخوة
أنتم تعيدون اليوم لحركة انطلقت بواسطة مجموعة شبان وتحولت إلى مشروع حبّ يحاكي كلّ محبٍّ وغيور في كنيسة أنطاكية. حركةٌ عملت وتعمل على محاربة الخطيئة والجهل والهرطقة وأشكال التحجّر والجمود الفكريّ ومواجهة حزبية والروح الاستغلالية والمفهوم الطائفي السياسي لكنيسة المسيح وسيطرة الوجاهة والعبث بالقوانين الكنسية والخلاقية.
حركةٌ شرعت بنشر الكلمة الإلهيّة وإنارة العقول والقلوب وتفعيل دور الجماعة وعيش الأسرار المقدّسة وبعث الحياة الرهبانيّة ونفض الغبار عن التقليد الرسولي والمساهمة في التراث الانساني وفي تجسيد محبّة المسيح باطلاق المؤسّسات واحتضان النشء وتعليم الشباب والتواصل المسكوني وتأكيد الحضور على المستوى الأرثوذكسيّ العالمي.
فعلى مدى سبعين عاما كانت قضية الكنيسة همّها وشاغلها من أجل ذلك تكرّس أعضاؤها ومن أجل ذلك قدّمت العديد العديد من المشاريع والخطط والاقتراحات والدراسات على كافة المستويات ومنها ما أخذ به ومنها ما أخذ منه ومنها ما بقي في الأدراج.
انتم تجتمعون اليوم في الذكرى السبعين لحركة تعاقبت فيها أجيال وانضوى في فرقها وإطرها وأنشطتها ولقاءاتها ومخيماتها الالآف الذي من خلالها تذوّقوا حلاوة يسوع وتعرّفوا على الكنيسة وتراثها وعظمتها وقديسيها ولاهوتها وربما لو لم تكن لم يكونوا ليعرفوا أو كانوا تعرّفوا على فكر آخر.
منذ سبعين سنة وما تلاها، كان من الطبيعي أن تشغل حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة والمحيطين بها المساحة الكبرى من المشهد النهضويّ في الكرسي الأنطاكي، أمّا اليوم فمن الطبيعي أيضًا أن يكون المشروع النهضوي قد أثمر وجوهًا وهيئات ومؤسّسات محبّة لله ولكنيسته وبالتالي تتشارك معهم حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة الهمّ والحرص والسعي والهدف نحو الشهادة للكلمة وفي ذلك علامة نجاح لمشروع النهضة وتنوّع وتعدّد وغنى لكنيسة المسيح. ولتبقى الحركة بحكم تراثها وخبراتها وانتشارها ومؤسّساتها وتنوّع الآراء فيها وخبرة وعي الجماعي لديها بمثابة محرّك أساسي للعمل النهضويّ فيها الذي يلقي عليها المسؤولية، المتابعة والالتزام ومواجهة تحديات العصر وإبداع الأطر والآليات الأفعل في ظل المتغيرات الكثيرة وفي ذلك كرامة ومسؤولية كبيرتين يتطلّبان بلا شك المزيد من الالتصاق بالمسيح والتوبة والتواضع حتى نستطيع أن نؤتي بثمر كثير.
ولكن وبعد السبعين هل كلّ شيء على ما يرام؟ الأهداف تحقّقت؟ الأعمال أنجزت؟
جوابًا على ذلك لا بد من التأكيد أن ما انجز بنعمة الله كان جليًّا، وما زرع وأسّس جملة أحداث وتحوّلات كبرى وتغيّرات مزمنة على مستوى الوعي الجماعي وتثبيت ثوابت وتأكيد مسلمات جديدة هو بدوره جليٌّ أيضًا. ولكن بالكاد يشكّل كلّ ذلك جزءًا يسيرًا من مشروع النهضة الكبير، المشروع الذي بالكاد يطال كافة الأرثوذكسيين، ويتطلّع بالشهادة والبشارة لغير الأرثوذكسيين.
وأيضًا لا بد من السؤال، ألم تشهد المسيرة النهضويّة وبالتحديد مسيرة حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة حالات ضعف وتقصير وتراخ وأخطاء وربما سقطات هنا وهناك، الجواب وبصدق وقناعة تامين أننا خطأة ونحتاج عون الله، فالحركيون هم كواكب مؤمنين، بشريون يتوبون لأنهم يخطئون. فبعد سبعة عقود من المسيرة الحركية لا بد من الدرس والتعمّق والتأمل والنقد والتقيييم والتقويم لهذه المسيرة والخروج منها بخلاصات واستنتاجات ومغازي التي يتساعد في تنقيتها وإعادة النظر في ما يجب والاتعاظ من التجارب وتوحيد قراءة الماضي ورؤية المستقبل.
إخوتي، في مواجهة تحدّيات لا تحصى على مستوى العائلة والعمل والنزوح والهجرة والضغوط الإقتصادية وتغيير الأنماط الإجتماعيّة، لا سبيل لنا إلا التسلّح بالفضائل الإنجيليّة والانعتاق من روح البطالة والخمول والخروج من الرتابة والروتين لتحقيق جملة أمور ملحّة لا تحتمل التأخير منها:
أولاً: تعزيز ثقافة التنوّع والتعدّد واحترام الرأي الآخر وتكريسه نموذجًا على مستوى الكنيسة لأن في ذلك أمانة لعيش عقيدة الثالوث القدّوس، سر الوحدة في التعدّد وسر التعدّد في الوحدة.
ثانيًا: الانطلاق من المبادىء الحركيّة والعمل على تخليدها في حياتنا وإعادة اكتشاف تراثنا وتقييم خبراتنا وبلورة أهدافنا وتطلعاتنا.
ثالثًا: إن كلّ حركيّ هو حتمًا مسؤول، مسؤول أولاً عن إبداع أطر جديدة في العمل الحركي الشهادي على مستوى الرعية والجامعة والعمل والعائلة وفي أي مكان أو مجال آخر.
رابعًا: التمسّك بقيم الإنجيل ورفض أي شكل من أشكال هيمنة روح الطائفيّة أو الطبقية على القرار في كنيستنا أو صبغ الكنيسة بصبغة أخرى غير صبغة المصلوب. فنحن أرثوذكسيون نؤمن أن الكنيسة في التاريخ يعبّر عنها قديسوها لا الخاطئين فيها لذلك لا يحق لنا أن نقول بقداسة الذهبي الفم ونسلك أو نتعايش مع أي سلوك في الكنيسة أو خارجها يقتضي بمضطهديه سواء في تعزيز الوجاهة أو محبّة الفضة أو نبذ الفقراء أو في تكريس المجد الباطل.
اخوتي، بعد مسيرة سبعينية نحن بحاجة اليوم أن نمزج همّة الشباب وتوثبهم بحكمة الشيوخ وتوهجهم إن إحسنَّ صنعنحسن صنعًا فنكرّس الوجه الخادم المشرق والمشّع بالجماعة الحركية ونكون خير شهود في متألقة نضرة لا عيب فيها ولا غضن كما يشتهيها سيدها.
وكلّ عام وأنتم بخير.
الأمين العام إبراهيم رزق