إنّ الرسول بولس يستعمل طريقة خاصة حتى يشدّد من عزم المسيحيين الذين كانوا من أصلٍ يهوديّ، فهو يقارن بين الشكل القديم لرئيس الكهنة أي الشكل المذكور في الناموس الموسويّ، مع رئيس الكهنة يسوع المسيح. فإنّ رئيس الكهنة في الماضي ، عندما كان يدخل إلى قدس الأقداس ليرشّه بدماء الحيوانات وليطلب من أجل الشعب وخطاياه التي كان يجهلها، بينما كان يعرف فقط خطاياه. بالمقابل فإنّ رئيس كهنتنا، أيّ يسوع المسيح، فقد كان يعلم كل خطايانا وأوجاعنا، لأنه تجسد حتى ينقذنا منها، وبعد ذلك صعد إلى السماوات، يقول القديس نيقوديموس الآثوسي. لنرى بالتفصيل صفات رئيس الكهنة كما يتحدث عنها الرسول بولس.
إنّ كلّ ما فعل المسيح قد فعله دون أن يرتكب الخطيئة بدون خطيئة (عبر 4،15). إنّ السيد أخذ الطبيعة البشريّة كلها ما عدا الخطيئة وتوابعها وجعلها خاصته. لقد أخذ كل الطبيعة البشريّة على عاتقه، لذلك فقد حرر الإنسان من عبوديته للخطيئة و أنقذه. فعلى سبيل المثال فإنّ المسيح قد جاع وعطش وخاف وحزن مثله مثل أيّ إنسان. وبعد قيامته حولها كلها لخدمة الإنسانيّة. لو كان عندنا أي شيء في طبيعتنا البشريّة ولم يأخذه الرب عندما تجسد لما استطاع أن ينقذنا من العبوديّة، فقد أخذ كل ما عندنا وأصلحه.
وعند صعوده إلى السماوات فقد جلس على عرش النعمة وليس على عرش الدينونة. على عرش النعمة ليساعدنا. فنحن نقدّم إيماننا به وهو يعطينا كلّ شيء.إنّ القديس يوحنّا الذهبي الفم يكتب في هذا الموضوع ويقول أنّ الجهل عند الإنسان بيسوع المسيح مسموح به فقط حتى يدعونا العريس. هذا يعني أن عرش النعمة هذا الذي تحدثنا عنه هو باقي حتى المجيء الثاني والدينونة، بعد ذلك سيكون هناك عرش الدينونة.
العنصر الآخر الذي يملكه رئيس الكهنة هو الإمكانيّة، الموجودة فيه ليساعدنا. وذلك بطريقتين. الأولى في أن يقبل أن يساعدنا، أن يتألم معنا (عبر 4،15)، لأنه عظيم وقوي وابن الله وإله وثانياً من الممكن أن يتألم معنا لأنه كإنسان تألم واختبر الآلام والأوجاع البشريّة. لهذين السببين سيساعد الرب يسوع البشر، يقول أحدّ مفسريّ الكتاب المقدّس. والرسول القديس بولس يؤكد على ذلك في رسالته إلى العبرانيين ولأنه قد ابتلي نفسه بالآلام، فهو قادر على إغاثة المبتلين (2،18). أي أنه كما مرّ هو في التجارب، كذلك سيساعد أولئك الذين يمرّون في التجارب والمحن أيضاً. وكمثال يمكننا أيضاً ذكر رئيس الكهنة في العهد القديم، ذاك الذي كان يقدّم الذبيحة، لم يكن ملاك، ولكن كان كبقيّة البشر لم يقدّم الذبيحة ملاك عن البشر وإنما إنسان عن بقيّة جنسه يقول أحد مفسريّ الكتاب المقدّس. رئيس الكهنة هذا كان له نفس الطبيعة البشريّة أيضاً. وهكذا فإنّ المسيح صار إنساناً حقيقياً، الذي عرف ضعفاتنا البشريّة، ولذلك فباستطاعته أن يمدّ لنا يد العون. فرئيس الكهنة في العهد القديم كان شكل من أشكال يسوع المسيح ورموزه.
لقد أعطانا السيد كعربون جسده ودمه. فالمائدة المقدّسة تستضيف وبشكلٍ دائم السيد له المجد. وجميعنا الذين نحاول وبشكلٍ دائم أن نتخلص من أهوائنا وخطايانا، نستمدّ قوتنا من المسيح. في وادي الأهواء، الذي نعيش، كلنا بحاجة إلى من يقوينا ويعزينا في حياتنا اليوميّة. عندنا الإيمان والرجاء في أن النعمة الإلهية تسترنا وتغطينا وافتقد الله شعبه(لو. 7،16)، لذلك فنحن لا نفقد الرجاء ونستمد القوة دائماً في جهادنا. عندنا الأمل دائماً في رحمة الله، وبأنه لن يتركنا فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لننال رحمة ونلقى حظوة ليأتينا الغوث في حينه (عبر.4،16). فلنحافظ على هذا الرجاء ولنحاول أن لا نطفئه أبداً في نفوسنا. ليغذينا وبشكلٍ دائم، حتى ننتصر على كل ما يمنعنا في هذا الدهر ونتأهل للدخول إلى ملكوت السماوات، آمين.
مركز دمشق – أسرة الإعلام