سيـدي:
في ذكراك الرابعة، إسمح لي أن أُخرج بعض ما يختلج فيّ، بكلمات على الورق.
إسمح لي أن أقول ما يكشف عن حقيقتك في داخلي، وإسمح أيضاً أن لا تقاطعني بعبارتك المعهودة، “أنا كثير ممنون”، لتنقل الحديث بإتجاه آخر.
عذراً سيدي، سأقتحم أبواب أذنيك الموصدة،على ما تعتبره ثناء ومديحاً، راجياً منك فقط أن تسمعني، لأنك بذلك تترك كلامك يتجدد فيً.
سيدي:
بعد اربع سنوات، أعترف أنك لا تزال حاضراً في داخلي، متمدداً في كليتيً، وأنت تعرف أنك رفيقي في صلاتي، وشريكي في همومي،ومشاركي في إهتماماتي.
كُثُر، كُثُر، كُثُر، هم الذين مثلي ،الذين يتملكهم أيضاً، الشوق إليك، أنا سمعتهم، عاينت صدق حناجرهم، وبهرني بريق الحنين في عيونهم، هم فقراء إلى اللـه، بسطاء، مؤمنون، ينشدون محبة اللـه ومجد كنيسته، ما تكلموا عن إنجازاتك في البناء والعمارة والإدارة وإطلاق المؤسسات لم أسمع حديثهم عن فطنتك البشرية وسلطتك وجبروتك.
لقد عبروا، عما حفرت فيهم من معاينات حية، لثمار الروح، من محبة وفرح وسلام وطول أناة، ولطف وصلاح وإيمان “ووداعة وتعفف”.
سيدي:
عادة،كلما مرً وقت على الغياب،يمسي الغائب مجرد ذكرى،فيبرد الشوق،ويسود النسيان،ولكن الامر يختلف معك يا رجل الله،فالشوق اليك يتوقد ويتجدد،كلما دعت الحاجة للارتماء،في حضن محب،وقلب مصغِ،يحتمل النقد والحدة والتنوع والتباين والاختلاف وحتى الخلاف،دون ان تنقص محبه للاخر الذي امامه،ذرة واحدة.
وكيف يمكن نسيانك وحضورك النسيمي ووقع لطفك لا يزال ينعش الضمير، ويداعب الذاكرة والوجدان.
فأي سر هـو ســرك؟
وأي أسلوب هو أسلوبك؟
لقد قيل أن الرجل هو الأسلوب ، أما ما عندك، فهو أسلوب رجل اللـه… لا تعترض.
دعني أستشهد بطروبارية القديسين من رؤساء الكهنة والتي تقول « لقد أظهرتك أفعال الحق لرعيتك قانوناً للإيمان، وصورة للوداعة ومعلماً للإمساك أيها الأب ورئيس الكهنة(…) فلذلك أحرزت بالتواضع الرفعة وبالمسكنة الغنى…
فهل من هذه الأوصاف لم تكرسه نعمة اللـه فيك سواء في حفظ الإيمان ومحاربة الهرطقات والبدع بمواقف غاية في الصلابة.
ولن أضيف شيئاً عن وداعتك، وإتضاعك، وتمسكنك من أجل المسيح.
سيدي.
بأسلوب رجل اللـه، تستقر في ضمير المؤمنين الذين عاينوا في سيرتك شيئاً من إنجيل حي.ولم يعرفوا فضائل القديسين من الكتب فقط، بل تعرفوا وعاينوا وعايشوا واختبروا ولمسوا وتذوقوا الكثير من هذه الفضائل،في محبتك للمصلوب وإخوته الصغار،وفي مسيرتك وصبرك وتحملك واندفاعك وعطائك وتواضعك وانسحاقك وافتقادك و……
لقد علمنا تاريخ كنيستنا أن ضمير المؤمنين بوصلة نادرة لحفظ الإيمان.فهو حفظ المكانة الكبرى لفقراء اللـه طوعاً، المعدمين في هذه الدنيا ،هذا الضمير وقف على اسوار قصور المال والسلطة،وأوقفهما عند اسواره، فجعل قبلته ومستقره عند صغار القوم، من سكان الصحراء وقاطني البراري، الذين من اجل الرب تركوا كل شيء ،وساحوا على طريقه.وما انت الا واحد من هؤلاء.
ياسيدي الثائر الوديع :
أهلني بصلواتك ان استلهم من ثوريتك القائمة على الوداعة والهدوء والحلم، ما يؤهلني لكسر الاصنام في ذاتي اولاُ،والاقتداء بمسيرتك النهضوية.متمماُ الطروبارية :”فتشفع الى المسيح الاله ان يخلص نفوسنا”.