حمل صليبه ومشى

mjoa Wednesday June 13, 2012 174

غسّان تويني رجل الأوجاع. رجل الكلمة. رجل الكلْم. وهل من كلمة صادقة لا تنبع من كلْم؟ لا تنزف من كلْم؟ حمل صليبه، صليب الكلمة، ومشى غير عابئ بوطأته، فقام من بين الأموات، وأحاط بعرش الحمل الذبيح، ورأى أنّ كلّ شيء أضحى جديداً.

حمل غسّان تويني صليبه، على مثال معلّمه يسوع المسيح، “مَن أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني” (مرقس 8، 34). والصليب ليس سوى التعبير الأسمى عن المحبّة. ولم يتذمّر يوماً من حمله فيرميه عن عاتقه، بل ظلّ مؤمناً بأنّ المحبّة أقوى من الموت، وبأنّها لا شكّ قاهرة الشرّ. وكان صليبه متعدّداً، عائلته، و”النهار”، ولبنان، وفلسطين، والعالم العربيّ، والإنسان صورة الله المدعو إلى حيازة المثال.

كان رجل الكلمة، تلك الكلمة الفاعلة التي تذكّرنا بما قاله الربّ لإشعياء النبيّ: “لأنّه كما ينزل المطر والثلج من السماء ولا يرجع إلى هناك، بل يروي الأرض ويجعلها تنشئ وتُنبت لتؤتي الزارع زرعاً والآكل طعاماً. كذلك تكون كلمتي التي تخرج من فمي لا ترجع إليّ فارغة، بل تتمّ ما شئتُ وتنجح فيما أرسلتها له” (إشعياء 55، 10-11). كلمة غسّان تويني لن تخيب. هي كالمطر الذي لا بدّ من أن يوقظ الصحراء العطشى، صحراء لبنان والعرب، فيحوّلها، وإن طال الزمان، إلى جنان خضراء، إلى ربيع دائم.

كان رجل الكلمة، رجل الكلمة الحرّة. والحرّيّة لديه مقدّسة لا تتجزّأ، من حيث هي القيمة التي وضعها الله في الإنسان لتمييزه عن سائر المخلوقات. فالإنسان بلا حرّيّة ليس إنساناً، بل يضحي مخلوقاً غرائزيّاً لا إرادة له ولا خيار. وقد جرحه عميقًا هذا الدفاع عن الحرّيّة، دفع فلذة كبده قرباناً على مذبحها، أضحية غالية. وغفر، كبيراً مرفوعاً على صليبه، لقاتليه. ألم يقتلوه حين قتلوا ابنه؟ ألم يستشهد هو حين سفكت دماء جبران؟

لم يستسلم غسّان تويني لقدره، صارعه كما صارع يعقوب النبيّ ملاك الربّ. تحصّن، مؤمناً، بالصبر والرجاء والمحبّة، وانتصر، “فالمحبّة تصبر، وهي لا تسقط أبداً” (رسالة القدّيس بولس الأولى إلى كورنثوس 13، 4 و8). وحسن فيه القول القرآنيّ: “والعصر. إنّ الإنسان لفي خسر. إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر” (سورة العصر). انتصر، لذلك فـ”مَن غلب يرث الحياة، وأنا أكون له إلهًا، وهو يكون لي ابناً” (رؤيا القدّيس يوحنّا 21، 7).

جاهد غسّان تويني الجهاد الحسن، وأكمل السعي، وبقي ملتصقاً بيسوع المسيح، وإيّاه مصلوباً. وأدرك أنّ الله “هكذا أحبّ العالم حتّى أنّه بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة” (يوحنّا 3، 16)، فأحبّ الإنسان، وبذل قلبه وعقله وذاته في سبيل استعادة هذا الإنسان لكرامته وحرّيّته. لذلك، “يمسح الله كلّ دمعة من عيونهم، ولا يكون بعد موت، ولا نوح، ولا صراخ، ولا وجع، لأنّ ما كان سابقاً قد مضى” (رؤيا 21، 4).

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share