يوحنا المعمدان السابق و الصابغ

mjoa Wednesday June 27, 2012 239

شخصه كتابياً
تُكرم كنيستنا اليوم النبي يوحنا المعمدان السابق و الصابغ . إن العالم المسيحي يحترم شخصه الكريم احتراماً خاصاً لأن منزلته في الكتاب المقدس وفي صفوف القديسين رفيعة ولهذا الإكرام مبرر وهو أن الرب أثنى على يوحنا ومدحه قائلاً :أنه أعظم رجل بين رجال العهد القديم،” الحق أقول لكم أنه لم يقم بين مواليد النساء أعظم من يوحنا المعمدان ” . ينبغي أن نعترف بأن البحث في شخص يوحنا السابق لصعب ومعقد لأنه شخصية عظيمة قامت بنشاط روحي كبير فلنختصر ببعض النواحي من شخصه و عمله حتى نحصل على بعض المعلومات من حياته . لنرى إخلاصه لله و فضائله و كيف هيّأ طريق الرب و ماذا عمل في مجتمعه و هكذا نجد فرصة للحصول على معلومات هامة تتعلّق بتاريخ العهد الجديد .
إخلاصه : كان يوحنا , كما نعلم, ثمر صلوات حارة متواصلة , كان والده الكاهن زخريا و والدته اليصابات الزوجان المؤمنان اللذان قليلاً ما نجد بتقواهما في الكتاب المقدس و نعلم أن ملاك الرب قد ظهر لزخريا في أثناء الصلاة و أشار إليه أن يدعوا ابنه باسم يوحنا أي ( حنان الله ) و أضاف قائلا له ” أن ابنك يكون عظيماً أمام الرب ” و قال الملاك عن حياته النُسكية ” و خمراً و مسكراً لا يشرب ومن بطن أمه يمتلئ بالروح القدس ” و بالحقيقة فإن ابن زخريا و اليصابات دُعاه الله من بطن أمه . و قد كتب الإنجيليون الأربعة في جمل وجيزة عن سيرة حياته فاجتهد يوحنا مدة حياته أن يبقى أمينا في دعوته لخدمة الرب و كان يشعر شعوراً عميقاً برسالته العظيمة التي أُسندت إليه من العناية الإلهية، لهذا السبب كان يمضي أيامه متجولاً في صحراء الأردن حتى بدأ الرب يسوع في الكرازة و كان يتهيّأ باستمرار لهذه الرسالة و ينقّي نفسه و يتعمق في فهم إرادة الله و العمل بأحكامه تعالى فعاش بعيداً عن العالم و الناس و قريباً من الله . و كان يعرف المستقبل لأنه ملك نعمة النبوة و هو أعظم الأنبياء . و قد تنبأ عن التدبير الإلهي الذي صار بتجسد ابن الله و منزلته في هذا السر العظيم .
فضائله : كان السابق , مثلاً عظيماً للفضيلة . و إذا كنا لم نقدر أن نقترب من يوحنا في الفضيلة فنستطيع على الأقل أن نهتدي به و نحيا قسماً من فضائله وأعماله . والفضيلة التي تلفت نظرنا بين فضائله كلها هي العفة والطهارة، ونراه في التصوير الكنسي أنه كان يلبس لباساً مصنوعاً من وبر الإبل و منطقةً من جلدٍ على حقويه و يحمل بيده عصاً و كان طعامه بسيطاً جداً و كما تنبأ الملاك لأبيه زخريا : لم يعرف من الشراب سوى الماء. فكانت طهارته معروفة لدى اليهود معاصريه معرفةً جيدةً حتى تعجب منه الجميع . وكان ليوحنا فضيلة أخرى تُنير كالشمس ألا وهي التواضع التي كانت تسمو به إلى عرش الله القدوس وكان رؤساء اليهود يمتدحونه والشعب يعده المسيّا المنتظر فكان الجميع يعتبرونه المرسل من الله لخلاص إسرائيل، وكان يعترف بتواضعٍ أنه ” صوت صارخٍ في البرية ” كما نلاحظ أيضاً فيه الجرأة الكبيرة التي كانت تخرج من شعوره العميق بالواجب نحو قول كلمة الحق والحقيقة ومن خلال عيشه حياةً مقدسةً مثالية أضف إلى ذلك قوته المناضلة في احتمال المشقات النابعة من محبته لله .
الاستعداد : إن هذه الفضائل العظيمة والنادرة التي نجدها في النبي يوحنا الإنسان المقدس، أهلته لأن يهيء طريق المسيّا في حين أن الشعب اليهودي كان ينتظر دائماً ظهور المخلص ولكنه لم يملك معرفةً واضحةً حول عمله الخلاصي إذ كان ينتظر رجوع المجد والملك لإسرائيل وبيت داود . فأتى يوحنا وهو يبشر بمعمودية التوبة كما أنه أراد لفت انتباه الرؤساء والشعب اليهودي إلى رسالة مسيّا الروحية. فأجاب عندما سئل عن التعميد الذي كان يقوم به “أنا أعمد بالماء ولكن سيأتي من يعمدكم بالروح القدس والنار . لقد كانت بشارة يوحنا بين جميع صفوف المجتمع آنذاك بدون تمييز وأصبح كوكباً منيراً مبشراً بشروق شمس العدل وهيأ الشعب ووعظ التلاميذ الذين أرسلهم إلى المسيح . وقَبِل بكل تواضعٍ وخوف من الله أن يعمد السيد في مجاري الأردن ” ليتم كل برٍ” وبعد أن أكمل الشهادة بتهيئة طريق الرب وبقول كلمة الحق استشهد بقطع رأسه متمماً بشارة التوبة حتى آخر نسمة من حياته .
عمله : كان عمل السابق منيراً ومؤثراً في الشعب اليهودي. وتأثيره كبيراً جداً حتى اعتبره اليهود كما سبقنا وقلنا، أنه المسيّا المنتظر. وكان رأي الجميع أنه مختار إسرائيل مع أنه ردد مراراً ” لستُ أنا “، ويرجع هذا الرأي إلى التأثير الذي يشعر به كل من احتك معه لأن طريقته الروحية التي كان يتبعها في رسالته كانت تشبه ماسيّا وتهيء للاستدلال لمعرفة المسيح المنتظر لأن يوحنا كان نبياً وسابقاً ومبشراً بالمسيح.
إن عمل السابق أعمق وأوسع بكثير من عمل الأنبياء لأنه حصل على سلطة قوية متينة إذ أشار إلى المسيح أمام تلاميذه.
والذين حوله قائلاً : ” هوذا حمل الله ، إنه ابن الله الذي يميز بين الحنطة والتبن ، ومعموديته تحمل ختماً مختلفاً لأنها ليست بمعمودية التوبة مثل يوحنا ، بل هي معمودية تبنّي و صلة بالروح القدس. كما عمل المعمدان على أن يقدم لتابعيه المسيح بصورة واضحة وصحيحة منفذاً ذلك بدون تأخير .
ويجب التنويه إلى نبوءته التي لم يتممها في حياته وحسب وإنما أكملها بعد استشهاده ونزوله إلى الجحيم _ قبل صلب الرب بست أشهر_ لكي يبشر بمجيء المسيّا إلى هناك من أجل أن يخلص البشرية التي رقدت من آدم وحواء إلى جميع الأنبياء والصديقين وكافة الذين سلكوا حياتهم بالصلاح في العهد القديم.
أيها الإخوة … لقد صور الرب يسوع أجمل صورة وأصلحها عن شخص يوحنا وعندما تشكك التلاميذ في شخص يوحنا قال للجموع عنه : ” ماذا خرجتم لتنظروا في البرية أقصبةً يحركها الريح ؟ وهل خرجتم لتنظروا إنساناً لابساً لباساً ناعماً ؟ كلا إنكم خرجتم لتروا نبياً ، نعم وأقول لكم أعظم من نبي لأنه استحق أن يرى مسيّا الذي تنبأ عنه الأنبياء ، فأؤكد لكم أنه لم يولد بين البشر حتى الآن أعظم من يوحنا المعمدان في صفوف الأنبياء .
كان يوحنا السابق النبي العظيم الذي خُتم به العهد القديم وفتح الطريق للعهد الجديد . إنه لشخصية نيرة تشيع مدى الأجيال و عمله مرتبط ارتباطاً وثيقاً بشخص المسيح وببشارة الإنجيل لذلك توضع أيقونة يوحنا المعمدان سابق المسيح وصابغه في كنائسنا قرب أيقونة من عمّده وسبق فتكلم عنه . فلنلتفت إليه بخشوع واحترام ولنسمع بأمانة بشارة التوبة التي سمعت في شواطىء نهر الأردن ولنماثله في فضائله ونقتفي دربه متواضعين ومبشرين الآخرين بالرب يسوع المسيح لأنه هو النور الحقيقي الذي ينير ويقدس كل إنسان واردٍ إلى العالم . آمين .
الأحد 24/6/2012 عيد مولد القديس يوحنا المعمدان

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share