عديدة هي النقاط التي يمكننا التوقف إزاءها في هذا النص الإنجيلي الجذّاب… إلا أنني أؤثر التوقف معكم عند آيتين اثنتين قد يكونان عوناً لنا ضمن هذه الظروف الصعبة التي تنشب مخالبها في أرضنا وناسها.
” ألزم يسوع تلاميذه ان يدخلوا السفينة و يسبقوه الى العبر… فصارت السفينة في وسط البحر معذبة من الامواج “: ونفهم من هذا شيئين مهمين: الأول بأن الطريق التي يقودنا فيها الرب هي أيضاً دربٌ تتخللها المشاكل والأزمات. فالرب لم يعد أبناءه المخلصين بأن يزيل عنهم المرض والموت والألم إلا حال مجيئه الثاني، أما في هذا العالم فقال لنا “في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا فأنا قد غلبت العالم”(يو33:16). والأمر الآخر هو إن أمرنا الرب بالذهاب بعيداً في طريقٍ اختاره لنا، فعلينا المضي فيه قدماً وأن نجاهد ونواظب السير بعنادٍ لنجوز بحر الحياة، غير آبهين بالأمواج وعلوها ولا بالرياح وعنفها ولا بالدرب وطولها ولا بالحياة ومخاضها، عالمين أن لنا سيداً محباً ساجداً على الجبل، يصلي لكي تعبر عنا الشدائد، وينظر بحنوه إلى تعبنا وجهادنا وإيماننا ويسارع إلى نجدتنا قبل أن تخور عزائمنا.
“وفي الهزيع الرابع من الليل مضى إليهم يسوع ماشياً على البحر”: ربما نخال الرب أنه أبطأ، أو أنه تأخر. ولكن لا يسعنا أبداً أن نفكر بأنه لن يأتي. فهو الذي يقول: ” يدعوني فاستجيب له معه انا في الضيق أنقذه وأمجده (مز91: 15).يوجد دائماً رجاء. والرب دائماً يتأنى وينتظر حتى تتجه قلوبنا بكليتها إليه ومن ثم نراه آتياً حتى ولو كانت الريح مضادة. دائماً عندنا رجاء، حتى ولو كانت حياتنا خربة خالية وكنّا مغمورين بالمياه وعلى وجه الغمر ظلمة… دائماً عندنا رجاء، حتى ولو كنّا في القبر لأربعة أيام وقد أنتنَّا. دائماً عندنا رجاء، حتى ولو لاثنتي عشرة سنة ونحن ننزف دماً، حتى وإن كنّا منحنين ومكسوري الظهر لثماني عشرة سنة، حتى وإن بتنا مخلعين ومطروحين بلا معين ولا أنيسٍ لثمان وثلاثين سنة، فدائماً عندنا رجاء. فطوبى لمن إله يعقوب معينه ورجاؤه على الرب إلهه (مز146: 5).
لذلك يا أحباء: دعونا لا نطالب الله بما لم يعدنا فيه. فالرب لم يعدنا بحياةٍ دون آلام بل قال لنا أنه بضيقات كثيرة ينبغي لنا دخول ملكوت السموات. هلموا بنا نستغل كثرة الضيقات الحاصلة ونبادر فنقتنص ملكوت السموات بحذاقة ونجد الباب الضيق وندخله. ضعوا كل اتكالكم على الذي قال لا أترككم يتامى. اسمحوا له بأن يدخل سفينتكم ويقودها فتجدون فيه سلامكم. لنتقي ولننتظر الرب بإيمانٍ وثقة حتى نستطيع أن نبدد سحابة القلق والضيق التي تخيم علينا فالكتاب المقدس يقول: “من اتقى الرب لا يخاف ولا يفزع لأنه هو رجاؤه”( سيراخ 34: 16). عندها سنجد الفرح في وقت الحزن والسلام في حين الإضطراب. “لأنه هو رجاؤنا و فرحنا و اكليل افتخارنا”(1تس2 : 19).