صليبنا

mjoa Wednesday September 12, 2012 162

بعد غد، الرابع عشر من أيلول، تحتفل الكنيسة بعيد رفع الصليب المكرّم. وأفضل تكريم للصليب، وفق الإنجيل، هو انتهاجه مسلكاً وقدوةً في حياة المؤمنين بالمسيح فادياً ومخلّصاً. فيسوع يتوجّه إلى أتباعه بالقول: “مَن أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني، لأنّ مَن أراد أن يخلّص نفسه يهلكها، ومَن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلّصها. فإنّه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟” (مرقس 8، 34-36).

لم يكتفِ المسيح بإنباء تلاميذه بما سيحدث معه، بل دعاهم إلى مقاسمته المصير ذاته إن شاؤوا أن يتبعوه. فالقدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (+407) يقول، تعليقاً على هذه الفقرة الإنجيلية، إنه يستحيل على التلاميذ أن يخلصوا إذا لم يكونوا مستعدّين للموت باستمرار.

وبعد أن يستشهد بقول المسيح: “إن حبّة الحنطة التي تقع في الأرض إنْ لم تمت تبقى وحدها. وإذا ماتت أخرجت ثمراً كثيراً” (يوحنّا 12، 24)، يتابع قائلاً: “إنّ المسيح لا يعدّهم لموته فحسب، بل لموتهم أيضاً”.

لا ريب في أنّ منطق يسوع يختلف عن منطق هذه الدنيا والعائشين بمقتضياتها. فأوريجانُس (+245)، أحد معلّمي الكنيسة، يقول في هذا الصدد: “إن الذي يحبّ الحياة الحاضرة يظنّها حسنة ويحيا حياة الجسد، خائفاً من الموت المهلك، بهذا يخسر حياته التي أراد أن يخلّصها…

أمّا إذا زهد المرء بحياته وكفر بنفسه وحمل صليبه وتبع المسيح مريداً الخلاص لنفسه، فيبدو للعالم أنّه خسر حياته. لكن، بما أنه خسر حياته من أجل المسيح ومن أجل تعليمه، فقد نال الخلاص”.
يتوجّه المسيح بهذا الكلام إلى أتباعه في كلّ زمان ومكان، وباختلاف الظروف والسياقات. لذلك، المسيحيون العرب، المرميّون في الأتون مع سواهم من مواطنيهم المسلمين، ليسوا مستثنين من هذه الوصية القائمة على الحب والتضحية حتى الشهادة القصوى. صليبهم المدعوون إلى حمله، وليس لهم أن ينبذوه إذا شاؤوا أن يكونوا من أتباع الناصري، هو التزام قضايا الإنسان والأوطان، وتحقيق قيم السلام والمحبّة والعدالة.

هذا الأمر يتطلّب منهم البقاء في أرضهم، أو العودة إليها، كي يشهدوا للرب حيث شاء لهم أن يحيوا ويشهدوا. الهجرة في سبيل الخلاص ليست خلاصاً، بل ربما يصحّ فيها قول المسيح: “لأن مَن أراد أن يخلّص نفسه يهلكها، ومَن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلّصها”. الهجرة تنفي المحبّة، تلك الوصية الوحيدة التي تختزل الإنجيل كلّه. هي نفي للمحبّة المطلوبة تجاه الإخوة في الدين وفي الوطن، ولا سيّما منهم الفقراء والمعدمين.

كلامنا لا يقصد أن يدين أحداً، فالله هو الديّان وحده. لكنه دعوة إلى الشهادة الحق، فالمسيحية العربية لا تدوم بالحديث عن أمجاد الماضي، أو عن كون المسيحية انطلقت من ديارنا، أو بتحويل الكنائس إلى آثار ومتاحف، أو بأن نتذكّر قرانا في مناسبات الدفن فحسب… “فإنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه”، ماذا لو ربحنا العالم كله وخسرنا محبتنا بعضنا لبعض؟

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share