وجوب الحوار المسيحي الإسلامي

mjoa Wednesday September 19, 2012 98

بات غير قابل للإنكار، في اللاهوت المسيحي المعاصر، الإقرار بأن المسيحيين والمسلمين يعبدون الإله نفسه، إله الإبرهيمية التوحيدية، وإن اختلفت طرق التعبير عن هذا الإيمان باختلاف النظم العقائدية في كل من الديانتين المسيحية والإسلامية ومذاهبهما. فأتباع المسيحية والإسلام يعترفون بأن “لا إله إلا الله” وحده لا شريك له في الألوهة. وإن آمن المسيحيون بـ”الآب والابن والروح القدس”، فإنهم يؤكّدون بأن هذه الأقانيم الثلاثة إنما هي “إله واحد”.

ويعترف بعض المرجعيات الإسلامية والعلماء بالإيمان التوحيدي المسيحي، ومنهم السيد محمد حسين فضل الله الذي يقول: “ليس معنى أن القرآن عندما يقول عن أهل الكتاب إنّهم كافرون، أنه الكفر الذي يُخرجهم عن الإيمان بالله وعن توحيده، ولكن معناه الكفر بالرسول”. ولأن “الكفر نسبيّ”، وفق كلامه، فكفر المسيحيين برسالة نبيّ الإسلام لا يمنعهم من الالتقاء بالمسلمين في توحيد الله والإيمان به.

الكنيسة الكاثوليكية أقرّت، في المجمع الفاتيكاني الثاني، بأن المسلمين “يعبدون معنا الله الواحد، الرحمن الرحيم الذي يدين الناس في اليوم الآخر” (الدستور العقائدي في الكنيسة – نور العالم، 21 تشرين الثاني 1964). هذا الموقف الرسمي للكنيسة الكاثوليكية ملزم لأتباعها بما للمجمع المسكوني من سلطة و”لا رجوع ممكن عنه”، كما تقول جولييت حدّاد في كتابها “البيانات المسيحية الإسلاميّة المشتركة” (دار المشرق، ص 28). والكنيسة الأرثوذكسية، وإن كانت لم تُصدر وثائق رسمية في هذا الشأن، يتبنّى معظم لاهوتيّيها ما صدر عن المجمع الفاتيكاني، ولنا في كتابات البطريرك إغناطيوس الرابع هزيم والمطران جورج خضر وسواهما من لاهوتيّي العالم الأرثوذكسي ما يؤكّد كلامنا.

في 28 تشرين الأوّل 1965 أصدر المجمع الفاتيكاني تصريحاً “حول علاقة الكنيسة مع الديانات غير المسيحية” (الوثائق المجمعية، منشورات المطبعة الكاثوليكية، الجزء الثاني، ص 391)، قالت فيه: “وتنظر الكنيسة بعين الاعتبار أيضاً إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد، الحيّ، القيّوم، الرحيم، الضابط الكلّ، الخالق السماء والأرض، المكلّم البشر (…) ويعتبرون أيضاً الحياة الأخلاقية، ويؤدّون العبادة لله لا سيّما بالصلاة والزكاة والصوم”.

هذا الاعتراف الفاتيكاني لم يكتفِ بالشأن العقائدي، بل اقترح خطوات عملية لتفعيل التلاقي بين أبناء الديانتين والعمل معاً من أجل خير الإنسان وعمران الأرض. الوثيقة ذاتها تدعو إلى تطوير العلاقات المسيحية الإسلامية والابتعاد عن الصراعات والحروب التي جرت عبر التاريخ، فتقول: “وإذا كانت قد نشأت، على مرّ القرون، منازعات وعداوات كثيرة بين المسيحيين والمسلمين، فالمجمع المقدّس يحضّ الجميع على أن يتناسوا الماضي، وينصرفوا بإخلاص إلى التفاهم المتبادل، ويصونوا ويعزّزوا معاً العدالة الاجتماعية والخيور الأخلاقية والسلام والحرية لفائدة جميع الناس”.

لا شكّ في أن هذه الدعوة إلى تناسي الماضي والتفاهم المتبادل أضحى ميزة تجمع العديد من المسيحيين والمسلمين. وعلى الرغم من بروز بعض المشكلات، من حين إلى آخر، يستمرّ الإصرار على صون العلاقات المسيحية الإسلامية من أيّ ضرر قد يلحق بها. الحوار المسيحي الإسلامي في عالمنا اليوم ما زال ضرورة واجبة. وبدلاً من أن يسعى كلّ طرف إلى تسجيل النقاط في مرمى الطرف الآخر، فليتمّ التعاون في سبيل تحقيق الخيرات الموعود بها المؤمنون. هكذا يكون التنافس محموداً بين المؤمنين بالله الواحد.

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share