“أنا في الارض غريب فلا تخفي عليّ وصاياك”
هكذا انتقل اليوم ايلي من ارض الغربة الى ارض الملكوت، انتقل من ارض الظلمة الى موطن النور الذي لا يعروه مساء. انتقل حاملا معه هموم شباب كنيسته ليطرحها بوفرة على المذبح السماوي. انتقل ايلي من الجوق الارضي الى الجوق السماوي. انضم الى مراتب المرنمين، فهناك العذوبة وهناك الالحان الشجيّة. هو كان، دوماً، يرتل مصليا، مترقباً هذه اللحظة التي يرتقي بها ملتصقاً بمعشوقه.
هكذا التأم الاخوة الاباء، المربون، التلامذة ومرشدون برئاسة صاحب السيادة المتروبوليت افرام، وحضور الأسقف غطاس، والارشمندريت يوحنا (بطش)، والارشمندريت بندلايمون رئيس دير سيدة حماطورة والارشمندريت يونان رئيس دير سيدة بكفتين، وعدد كبير من كهنة الابرشية وخارج الابرشية، اضافة الى كل مَن جَمَعَهُ الهمّ النهضوي ب ايلي، من أمناء عامين ورؤساء مراكز ومجلة النور ونشرة الكرمة …
اما صاحب السيادة فكانت له العظة التالية:
“ما هو الإنسان حتى تذكره أو ابن الإنسان حتى تفتقده. انقصته قليلا عن الملائكة بالمجد والكرامة كلّلته” … هذا ما ينطبق على أخينا، هذا الابنُ الحبيب ايلي، الذي نفارقه اليوم بالجسد.
يُمكن أن نقولَ الشيء الكثير عنهُ وعن حياتِه، ولن أذكر إلا شيئاً واحداً: أنّه كان نقي القلب، كان يتمتع بهذه النقاوة التي على قلب الله. وهذا ما يذكّرنا بالربّ القائل: “طوبى لأنقياء القلوب لأنّهم يُعاينون الله”. النقاوة في القلب هي الأهمّ في هذه الدنيا وفي الآخرة، وسوف يُحاسَبُ كلّ واحدٍ منّا في الأخير على نقاوة قلبه. وهي تتضمن الكثير، تتضمن التواضع، تتضمن المحبّة، وكلّ ذلكَ في خَفَرٍ عجيب.
نحن نفتقدُ كثيراً هذا الأخ، الذي أحببنا، والحاضرون يَشهدون على ذلك، وقد أمضى حياتُه في التضحية؛ ونتألم من أجل هذا الرقاد في الجسد السريع، ونبكي. لكنّنا لا نيأس، لا نيأس أبداً لأنّه: “طوبى لأنقياء القلوب لأنّهم يعاينون الله”.
نحن نحزن، ولكن لا كباقي الناس. إيماننا يغلبنا! هذا الإيمان الآبائيّ الذي يقول: الربّ الخالق، بحكمته الإلهية، لا بحكمته البشريّة، هو خطف هذا الإنسان في أفضل لحظة من أجل خلاصه. هذا ما يعزينا. ولذلك نقول: ابكوا، نوحوا، هذا شيء بشريٌّ – طبيعيّ، ولكن لا تنسوا أنّ هذا البكاء سوف يَؤول إلى فرح؛ لأنّ الكنيسة تعلّمنا “فبالصليب قد أتى الفرح لكلّ العالم”.
لذلك كلّنا نشهد لطيبة هذا الإنسان الذي سوف نفتقده، سوف نخسره بشرياً، لكنّه هو ينتقل إلى ربّه الذي أحبّه كلّ حياته.
ونحن أحبّاءهُ سوف نأخذ له ذكرى طيّبة. كلّ الموجودين ههنا، سوف تتذكّرون ايلي، إنّه ينتقل عنّا بالجسد لكنّه حيٌّ لا يموت. الحيّ في المسيح لا يموت، يترُكُنا إلى ربّه الذي أحبّه، ومِن هناك يُصلي؛
نطلبُ منهُ أن يُصلي مِن أجلنا، أن يُصلي من أجل أحبّائه كلّهم.
ونقول له أخيراً: هنيئاً لكَ يا ايلي، هنيئاً لكَ، لأنَّكَ أكمَلتَ الجهاد، فأنتَ كنتَ أميناً على القليل فالربّ يضعُكَ أميناً على الكثير.
ادخل إلى فرح ربّك!”