لا تغفرْ لهم، لأنّهم يدرون…

mjoa Thursday May 9, 2013 102

غفر السيد المسيح لجلاّديه وصالبيه. فهو، المسمّر على الصليب في ذروة آلامه الممضّة، توجّه إلى الله الآب قائلاً: “يا أبتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون” (لوقا 23، 34). نعم، لم يكونوا مدركين أن جريمتهم ليست فقط في أنهم يقتلون إنساناً بريئاً، بل لأنّهم يرتكبونها باسم الله. ومع ذلك، غفر لهم المسيح خطيئتهم المزدوجة ضدّه وضدّ الله.

لكنّ السؤال البديهي يطرح: هل كان المسيح ليطلب إلى الآب ما طلبه لو كان سواه معلقاً على الصليب؟ نعتقد أن المسيح لكان تصرّف في شكل مغاير، فثار ضدّهم ولعنهم.

ألم يلعن الكتبة والفرّيسيين: “أيها الحيّات أولاد الأفاعي، كيف تهربون من دينونة جهنّم؟ لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة، فمنهم تقتلون وتصلبون، ومنهم تجلدون في مجامعكم، وتطردون من مدينة إلى مدينة، لكي يأتي عليكم كل دم ذكي سُفك على الأرض…” (متّى 23، 33-35).

المسيح غفر لصالبيه غير العالمين بما ترتكبه أيديهم، لكنه، هو نفسه، حين كلّم تلاميذه ليلة صلبه، عمّا سيحدث معهم بعد صعوده إلى السماء، قال: “ليس عبدٌ أعظم من سيّده. إنْ كانوا اضطهدوني فسيضطهدونكم (…) لو لم أكن قد جئت وكلّمتهم، لم تكن لهم خطيئة، وأما الآن فليس لهم حجّة في خطيئتهم” (يوحنّا 15، 20-22). أما الخطيئة التي لا يمكن أن تُغتفر، فهي جريمة القتل باسم الله: “بل تأتي ساعة يظنّ كل مَن يقتلكم أنّه يقدّم عبادةً لله” (يوحنّا 16، 2).

يجزم المسيح بأن ثمّة خطيئة لا تُغتفر “لا في هذا العالم ولا في العالم الآتي”، هي خطيئة التجديف على الروح القدس: “كل خطيئة وتجديف يُغفر للناس، وأمّا التجديف على الروح القدس فلن يُغفر للناس. ومَن قال كلمة على ابن الإنسان (أي المسيح) تُغفر له، وأما مَن قال على الروح القدس فلن يُغفر له” (متّى 12، 31-32). ما المقصود بالتجديف على الروح القدس؟ هو أن يقول المرء عن روح القداسة إنّه روح شرّير، وعن روح الشر إنّه روح إلهيّ.

اللافت أنّ المسيح يسامح مَن يرتكب ضدّه خطيئة، لذلك غفر لصالبيه. لكنه، في الآن عينه، يحذّر سامعيه من خطيئة التجديف على الروح القدس، خطيئة تحسين الشرّ وتقبيح الخير.

وليس أفظع وأشدّ من خطيئة الذين، باسم الله، يقتلون ويرتكبون المجازر ويهجّرون الناس من ديارهم… والله، هنا، ليس بالضرورة إله إحدى الديانات وحسب، بل قد يكون بشراً رفعه أتباعه إلى رتبة الآلهة المعبودة، إلهاً يسمّى إمبراطوراً أو سلطاناً أو ملكاً أو رئيساً…

إنّهم يدرون ما تقترف أيديهم من جرائم. إنّهم يصرّون على التمادي في غيّهم وطغيانهم وظلمهم. إنّهم يصلبون، عن سابق تصوّر وتصميم، شعباً كاملاً، بعجائزه ورجاله ونسائه وأطفاله، بشيبه وشبابه.

إنّهم يعملون الشرّ ويعتبرونه خيراً، وينفّذون إرادة الشيطان وينسبونها إلى الله. هم “ليس لهم حجّة في خطيئتهم”، ولا عذر، ولا مبرّر…

فإلى متى، يا رب، إلى متى؟

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share