رسالة المتروبوليت سابا اسبر الفصحية

mjoa Thursday May 9, 2013 56

الرسالة الفصحية
فصح 2013

أبنائي المحبوبين بالرّب في أبرشيّة بصرى حوران وجبل العرب أعايدكم في هذا اليوم المبارك، يوم الحياة الحقّة، يوم القيامة الذي لا غروب له. وأرفع وإيّاكم الدعاء الحارّ من أجل جميع أبناء سورية والشرق، كي يقيمنا الله جميعاً إلى زمن جديد مليء بالطمأنينة والسلام والاستقرار. يوم الفصح هو “عيد الأعياد وموسم المواسم”، لأنّ الحياة المتفجرة من قبر السيد أُعلنت فيه، وأُعطيت منذ ذلك الوقت لجميع الذين يشاركون في موت السيد وقيامته.

لقد أتى المسيح من أجل خلاص الإنسان، كلّ إنسان دونما تمييز أو تفريق.. لم يأتِ لكي يخلّص البشر بالجملة، بل كلّ إنسان بكامل شخصه. يقول القديس سمعان اللاهوتي الحديث: “أرسل الله ابنه الوحيد إلى الأرض من أجلك ومن أجل خلاصك، لأنّه رآك واستهدفك لتكون أخاه وشريكه في الميراث”. كنّا قبلاً أمواتاً وأمّا الآن فصرنا أحياء به. كانت الخطيئة مهيمنة علينا قبلاً فصارت تحت أقدامنا بعد قيامته. انفتح طريق الحياة الحقّّة، وأتى الفرح لكلّ العالم. فعل القيامة ممدود إلى الجميع، وقد قدّمه الله للبشر محبّة بهم، وعليهم، هم بدورهم، أن يتجاوبوا مع هذه العطية العظمى.

وكما أنّ المسيح مات وقام من أجل كلّ إنسان، هكذا ينبغي على كلّ إنسان أن يموت مع المسيح عن كلّ ما يسيء إلى الحياة الحقّة ويفسدها، ويقوم معه إلى حياة جديدة مفعمة بالحياة المستمدة من الله، مصدرها الحقيقيّ. فهلا أدركنا ووعينا مقدار رهبة وعظمة وسمّو ما نحن مدعوون إليه! هلّا أدركنا أنّه بمقدار ما نساهم في موت إنساننا العتيق نساهم في ولادة إنساننا الجديد؛ الإنسان الذي على صورة الله حقّاً. إنسان البّر والنقاوة والخير والصلاح والفضيلة. إنسان المحبّة والسلام. والعكس صحيح، فبمقدار ما نحيا في عدم التوبة والتجدّد، بمقدار ما نساهم في ازدياد الشّر فينا وفي العالم. لو سرنا جميعاً في درب المسيح هذا بصدق، لغيّرنا العالم. قال أحدهم مرّة: “ليست مشكلة العالم في قلّة عدد المسيحييّن، بل في أن ليس جميع المسيحيّين قديسيّن”.

وكم من الحقّ في قوله. نكون شهود أمناء للقيامة، بعيشنا الفرح الروحيّ وسط الشدائد والضيقات، التي عرفنا الكثير منها عبر تاريخنا. وقد قابلها أجدادنا بإيمان لا يتزعزع بأنّهم أبناء الحياة الأبديّة، التي لم يفرّطوا بها من أجل مكاسب وقتيّة آنيّة. وعرفوا جيّداً كيف يعكسون “ما في السماء على الأرض”، لأنّ قلوبهم كانت مشغوفة برّب السماء والأرض. هكذا عاشوا مع مواطنيهم بالمحبّة الوادعة التي قدّستهم وأمّنت استمرارهم وتأثيرهم، وكادت تعيد الشرق إلى ألقه ثانية. أنتم أحفاد قديسيّن فحافظوا على ما تسلمتموه منهم، واعرفوا كيف تتقدسون برّبكم المصلوب أبداً على شرور هذا العالم، والقائم أبداً من أجل خلاصه.

لا نخافنَّ الصليب مهما كان ثقيلاً، ولا ننسيَنَّ أنّه مؤَّدٍ إلى القيامة. لنكن شهود المحبّة الفاهمة، المستوعِبة، التي لا يُبنى إنسان ولا وطن بدونها. ولتكن محبّتنا بالعمل والحقّ لا بالشعر والتفاخر. ولا نقابلَنَّ الحقد بمثله، فالشر لا يغلبه إلا الخير، والرذيلة لا تمحوها إلا الفضيلة. وما من شيء إلا وله نهاية. فليكن رجاء القيامة ملازماً لكم حتى تعبر هذه الأيام العصيبة كما عبر غيرها قبلاً. يأتي العيد هذا العام وسط آلام تتزايد . فمازال مصير المطرانين والكاهنين مجهولا، وكذلك مئات من المخطوفين. المهّجرون صاروا بالملايين، وعدد الشهداء إلى ارتفاع، والخراب لم يوّفر مكاناً. ومع ذلك نرّتل “اليوم يوم القيامة”، لأنّنا واثقون من القيامة الآتيّة، كوننا نعيشها على مستوانا الروحيّ الشخصيّ، ونختبر فعلها فينا، فلا يغلبنّنا اليأس ولا نفقدّن الرجاء. إنْ لم نعش القيامة الآن فمتى ؟

إنّها قيامة من السقوط والآلام والموت الذي يترّصدنا من كلّ جانب. فما أحوجنا إليها اليوم لنغلبه. فالحياة لا تتوقف عند تاريخ محدّد، والقيامة تُعاش في اللحظة الحاضرة لتترجى المستقبل. إنّها قوّتنا ورجاؤنا وتعزيتنا ومعنى حياتنا. بها نتعزّى ويتعزّى العالم بنا إنْ اختبرناها حقّاً. على كلٍّ منّا أن يؤمن بأنّ قيامته الشخصيّة تساهم في قيامة من هم حوله. “ليكن سلام المسيح في قلبك وآلاف من حولك سوف يجدون الخلاص”(القديس سيرافيم ساروف). اسعوا، يا أحبّتي، إلى أن يزداد النور فيكم حتّى يقلّ الظلام. وثابروا على هذا النهج إلى أن يسطع نور القيامة فيكم ويضيء البلد.

 المسيح قام …حقّاً قام

 

+سابا مطران بصرى حوران وجبل العرب

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share