ثمّة آيات في القرآن الكريم تمنع المسلمين من موادّة أهل الكتاب ومن موالاتهم. وعلى هذه الآيات يستند بعضهم كي يستدلّوا بها على رفض التعايش بين المسلمين والمسيحيّين في المجتمع الواحد. وقد درس الكثير من العلماء المسلمين هذه الآيات وفسّروها حقّ تفسيرها، وحدّدوا مَن هم المقصودون في هذه الآيات، من أهل الكتاب، بعدم الولاء والمودّة. فليس كلّ الكتابيّين يخضعون لأحكامها، بل فئة منهم، هي تلك التي تعادي الإسلام والمسلمين، أو التي تعتدي عليهم.
في هذا السياق، يورد الشيخ يوسف القرضاوي الكثير من الآيات القرآنيّة، ومنها الآية اللآتية: “يا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض، ومن يتولّهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين” (سورة المائدة، 51)، ويقول إن الذي يتأمل هذه الآيات ويدرس تاريخ نزولها وأسبابه وملابساته لا بد من أن يدرك أنّ النهي إنما هو عن اتّخاذ المخالفين أولياء بوصفهم جماعة متميّزة بديانتها وعقائدها وأفكارها وشعائرها، أي بوصفهم يهوداً أو نصارى أو مجوساً أو نحو ذلك، لا بوصفهم جيراناً أو زملاء أو مواطنين. المفروض أن يكون ولاء المسلم للأمة المسلمة وحدها، ومن هنا جاء التحذير في عدد من الآيات من اتّخاذهم أولياء “من دون المؤمنين”، أو التودّد إليهم والتقرّب منهم على حساب أمّة المسلمين. ويرفض القرضاوي، تالياً، فهم الناس الخاطئ للآيات المذكورة من حيث إنها تدعو إلى الجفوة والقطيعة والكراهيّة لغير المسلمين، وإن كانوا من أهل دار الإسلام والموالين للمسلمين.
ويؤكّد القرضاوي أن الإسلام لا يوصي بمعاداة غير المسلمين إلاّ الذين منهم يحاربون الإسلام والمسلمين، فيقول: “إن الموادّة التي نهت عنها الآيات ليست هي موادّة أيّ مخالف في الدين، ولو كان سلماً للمسلمين وذمّة لهم، إنما هي موادّة مَن آذى المسلمين وحادّ الله ورسوله”، وذلك استنادًا إلى آيات قرآنيّة عدة، منها: “لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون مَن حادّ الله ورسوله” (سورة المجادلة، 22). ويوضح القرضاوي في هذا السياق أن محادّة الله ورسوله ليست مجرّد الكفر بهما، بل محاربته دعوتهما والوقوف في وجهها وإيذاء أهلها.
تبقى آيتان مهمّتان جداً في هذا الشأن، هما الآيتان الثامنة والتاسعة من سورة الممتحنة اللتان تقرّران: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحبّ المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون”. ويستنتج القرضاوي من هاتين الآيتين أن الإسلام يميّز بين فريقين من المخالفين في الدين: فريق مسالم وفريق معادٍ. أمّا المسالمون فلهم الحقّ بالبِرّ والقسط والموادّة، وأمّا الذين اتّخذوا موقف العداوة والعدوان، فهؤلاء تحرّم موالاتهم.
نقول، إذاً، بمقتضى الكلام أعلاه، إنّ المسيحيّين في سوريا لم يقاتلوا المسلمين ولم يخرجوهم من ديارهم ولم يوالوا أعداء المسلمين، لذلك لهم الحقّ بالبرّ والقسط والموادّة. الصهاينة هم مَن قاتلوا المسلمين في فلسطين وأخرجوهم من ديارهم وظاهروا على إخراجهم، لذلك يتوجّب الجهاد ضدّهم، ومَن يتولّهم من المسلمين ويتولّى داعميهم “فأولئك هم الظالمون”. ليس المسيحيّون في سوريا بأعداء للمسلمين، بل الصهاينة هم أعداء المسلمين والمسيحيّين، فاسمعوا وعوا وأعقلوا.