تحتفل الكنيسة الروسيّة بعيد الميلاد المجيد حسب التقويم الشّرقيّ (اليوليانيّ)، وكذلك كنائس: صربيا، جورجيا، أورشليم، وأيضا جبل آثوس. ولهذه المناسبة تَصل إلى الأراضي الرّوسيّة، ولأوّل مرّةٍ منذ تاريخِ وجودِها وحِفظِها، هدايا المجوس التي ستَعبُرُ حدودَ بلادِ اليونان على رأس وَفدٍ رفيع المُستوى، يتقدّمهم رئيس دير القدّيس بولس الأرشمندريت برثانيوس وعدد من آباء الدير. في برنامج هذه الزّيارةِ محطّاتٌ عدّة، كانت أوّلها ليلة عيد الميلاد في 6 كانون الثاني 2014، على أن تعود إلى جبل آثوس في 30 منه.
تحتلّ الهدايا المقدّسة، الذّهب واللُّبان والمرّ، الّتي قدّمها المجوسُ الثلاثةُ مِنَ المشرق للرّبّ المتأنّس، المرتبةَ الأُولى بين الكُنوزِ المختلفةِ والجواهرِ الثّمينةِ المحفوظةِ بِوَرَعٍ كبيرٍ في دير القدّيس بولس في الجبل المقدّس (آثوس).
تتضمّنُ الهدايا /28/ سبيكةً مزخرفةً وبأشكالٍ متنوِّعة، أبعادُ كُلِّ واحدة منها /7 * 5/ سم تقريباً، ولكلٍّ منها شكله الخاصّ وزخرفته الخاصّة وعمله الدقيق. وهناك اللّبانُ والمرّ اللَّذانِ حُفظا بشكل أحجامٍ كرويّة، عددها /70/ كرة بحجم حبة الزيتون. وقيمة هذه الهدايا الماديّة والتاريخيّة والأثريّة لا تُقدَّرُ بِثَمن، لذلك هي محفوظة باهتمام خاصّ في صناديق ذخائر في دير القديس بولس، وتُرسَلُ بهدف التبرُّكِ منها ضمنَ الجبلِ المقدَّسِ وخارجَهُ.
يكتب الإنجيليُّ لوقا عن العذراء مريم أنّها كانت تحفظ الأشياء في قلبها، ويقول: “وأمّا مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكّرةً به في قلبها” (لوقا 19:2)، “وكانت أمُّه تحفظ جميع هذا في قلبها” (لوقا 51:1) ويعتقد بعض الدارسين واللاهوتيّين أنّ الجزء الأكبر من هذه الأفعال والكلام الذي للرّبّ كانت السيّدة العذراء قد أخبرته للقديس لوقا، فَضمَّنه في إنجيله. لقد حفظت مريم أعمالَ الرّبّ المقدّسة، هكذا حفظت كلَّ ما يتعلّق بحياته الأرضيّة، ومن الطبيعيّ أن تكون قد حفظت الهدايا المقدّسة أيضاً، ووفقاً لتقليدنا التاريخيّ والدِّينيّ، فإنّ العذراء قبل رقادها قد أعطَتْ هذه الهدايا مع ثيابها وزنّارِها، والمنديل المقدّس، لكنيسة أورشليم، حيث بقيت هذه الأشياء هناك حتى السنة /400/ تقريباً، حِينَ نقلَها الإمبراطور أركاديوس إلى القسطنطينيّة لتقديس الشعب ولكي تحفظ المدينة أيضاً، فبقيت هناك حتى سقوط المدينة بِيَدِ الصّليبيّين عام 1204. إثرَ ذلكَ، نُقِلَتْ مع كُنُوزٍ أُخرى مورُوثَةٍ، إلى مدينةِ نيقية الّتي صارَتْ عاصمةَ الدّولةِ البيزنطيّةِ بعد سقوطِ القسطنطينيّة، على عهد الملك ميخائيل باليولوغوس. وبعد ستّينَ سنةً أُعِيدَتِ الهدايا المقدّسةُ إلى القسطنطينية، حيث حُفظت حتى سقوطِ المدينةِ عام 1453 على يدِ السّلطانِ التّركيّ محمّدِ الفاتح.
والدةُ “محمّد الفاتح”، الملكة “مارو” كانت مسيحيّةً تَقِيَّةً مِن أصلٍ صربيّ. هذه نَقَلَتِ هدايا المجوس بنفسِها إلى دير القدّيس بولس في الجبل المقدّس، هذا الدير كان يعرفه والدُها جاورجيوس ملك صربيا، وهناك بنى الكنيسة الأساسيّة القديمة والتي ما زالت حتّى اليوم بجانب سور الدّير على مقربةٍ من البُرج الكبير، على إسم “القديس جاورجيوس اللابس الظفر”. يقول التقليد المتوارث في الدّير إنّ الملكة وصلت إلى مرفأ الديّر، وَهَمَّتْ بالتّوجُّهِ نحوهُ، فظهرت لها الفائقة القداسة بطريقة تفوق الوصف، وأعاقتها لكي لا تقترب من الدير، وتنتهك حرمة الجبل المقدس، (لأنّ التقليد الآثوسيّ لا يسمح للنساء بدخول منطقة الجبل المقدّس أبدًا)، فأطاعت الملكة “مارو” وأعطت الهدايا للرّهبان الوَرِعين، الذين نصبوا صليباً كعلامة لظهور العذراء في ذلك المكان وما زال محفوظاً هناك حتّى يومنا هذا، ويُدعى “صليب الملكة”، كما أنّه يوجد في الدير التوقيع الملكيّ مع أخبار عن تسليم الهدايا، محفوظة ضمن مخطوطات.