أنطونيوس الكبير والحياة في المسيح

mjoa Monday January 27, 2014 678

نعيّد في السابع عشر من كانون الثاني من كلّ عام للقديس أنطونيوس الكبير، وهذه مناسبة لنتذكّر معنى الحياة في المسيح وكيف ننمو فيها مُحْتَضَنين في الجماعة المؤَلَّفة حول سرّ الشكر. نعيش اليوم فترة يتزايد فيها الكلام على الحياة الرهبانيّة وعن أهمّيّة حضورها في الكنيسة، ويقوم التركيز خاصّة على النمط التأمّليّ رغم أنّ الكنيسة عرفت أنماطًا رهبانيّة متنوّعة حتّى في الشرق. أن تكثر الكتابات عن الحياة الرهبانيّة أمر طبيعيّ لأنّ الرهبان أحبّوا أن يشركوا في خبرتهم باقي العوامّ في الكنيسة. لكنّ هذا لا يعني أنّ الأديار تختصر حياة القداسة، وقد أكّد القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم على أنّ للارتقاء إلى الله سبلًا متعدّدة وليس من تفاضل بينها. الروح يهبّ حيث يشاء، والقداسة مفتوحة للجميع، كما نقول في خدمة سرّ الشكرّ، وليست وقفًا على أحد. لذلك، لا بدّ لنا من أن نقف على الأمور الجامعة التي تجعلنا، نحن المؤمنين، نحيا في المسيح ونرتقي كما فعل أنطونيوس الكبير.


 
يبدو لي أن أوّل هذه الأمور هو اكتساب القناعة بأنّنا كلّنا نحيا في الجماعة وليس أحد منّا، مهما سما في القداسة، فوق الجماعة. والجماعة في صلاتها حول الحمل المذبوح هي التي تعترف بقداسة الأشخاص ونموّهم الروحيّ، وليس لآدميّ فضل بذلك لأنّ النعمة تُسْكَب عليه من فوق، وعلى الإخوة أن يَعُوا صلاحَها وإلاّ فهي مجد باطل. أن تعيش حقًّا هذا التواضع تجاه الجماعة ليس أمرًا سهلًا ونحن نفتقد إليه في مجتمعنا الكنسيّ اليوم. ضمير الجماعة هو ما نحتكم إليه وهو الذي يقودنا لنكون أهلاً للزواج، أو للترهّب، أو للتوحّد. نحن آباء وأمّهات، بسب هذا النمو في الجماعة التي تتعرّف على المواهب بروح التمييز الذي يسكبه عليها الروح القدس. وفي هذا لا فرق بين من عاش في الدير أو في الصحراء أو في العالم إذا كان يحمل الجماعة وربّها في قلبه أينما حلّ. عيش إيماننا بالتجسّد رهنٌ بهذه الحقيقة التي تميّز الكنيسة عن أيّة جماعة أخرى.
 
الأمر الثاني هو في اكتساب روح التخلّي عن الأنا، أكان ذلك في مجال الطاعة أو في مجال المال. هذا أمر مرتبط ارتباطًا وثيقًا بمعنى التجسّد الإلهيّ، إذ إنّ الرّبّ، حتّى يكون الخادم الأوّل، “أخلى نفسه، آخذًا صورة عبدٍ”. وهذه عمليّة ترتبط بالكيان وليس بالشكل، لذلك ربط التخلّي بالخدمة أساسيّ حتّى لا تصبح الطاعة الشخصيّة، أو الفقر الشخصيّ، هو الهدف. يمكنك أن تفتقر شخصيًّا وتعمل ليصبح بيتك أو ديرك غنيًّا. فأين التخلّي في هذه الحال؟ يقول الرسول إنّه يمكننا “أن نملك وكأنّنا لا نملك”. لم يقل إنّه يمكننا أن لا نملك وكأنّنا نملك! أمّا الطاعة فهي حالة على طريق النموّ في المسيح وليست هدفًا بحدّ ذاتها. تطيع وتُطاع في عمليّة جدليّة كأب وابن معًا، لتنمو وينمو مَن هم معك محافظين على حرّيّة أبناء الله التي اكتسبوها في جرن المعموديّة ومُسحوا من أجلها ليكونوا أعضاء في الكهنوت الملوكيّ. لذلك، على صورة المخلّص، الكلّ في الكنيسة مدعوٌّ إلى هذا التخلّي، في ظلّ الجماعة التي تراقب وتحفظ.
 
الأمر الثالث هو اكتساب روح الخدمة. قالها الرب بصراحة: “من أراد أن يكون فيكم أوّلاً، فليكن للكلّ خادمًا”. نؤدّي هذه الخدمة أينما شهدنا للمسيح. البيت مجال خدمة: ألم يقل النبيّ، ها أنذا والأولاد الذين أعطانيهم الله؟ الدير مجال خدمة: ألم يكن هذا هو التعليم الحيّ الأعظم في حياة باسيليوس الكبير؟ إن كنت لا تخدم، فأنت تكون قد استقلت من مسيحيّتك وهربت لتختبئ في بيت أو في دير لا فرق! إن لم يصبح بيتك موقع خدمة من دون حساب، وإن لم يكن ديرك مشعًّا بالخدمة التي يقدّم، فعبثًا تصلّي، لأنّ الرب لا يقبع في السماوات التي لا نرى، بل هو هنا على حافّة كلّ طريق فيها معذّب، أو جائع، أو ومظلوم. سيحاسبنا الربّ على الخدمة سواء كنّا رهبانًا أو عشنا في العالم، لأنّنا في الخدمة نُظهر للملأ بأنّنا قد وجدنا المسيح.
 
تعييدنا لأنطونيوس الكبير فرصة لنتذكّر جميعًا أنّ الحياة في المسيح واحدة. من جاهد مثل أبي الرهبان يأخذ أجره، ومن جاهد مثل تلك المرأة التي تعلّمت في كبرها كيف تقرأ لتصلّي في بيتها بعد أن ينام أولادها، سيأخذ أجره أيضًا. فليرحمنا الله بشفاعة هذا وتلك.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share