اليوم، يا إخوة، أعطانا الرّبّ عربون قيامته من بين الأموات. في وقت من الأوقات، أقام الرّبّ المخلّع، وأعطى البرهان أنّه قادر على أن يغفر الخطايا. واليوم، الرّبّ أقام لعازر، وأعطى البرهان أنّه قادر على أن يقيم البشريّة. لعازر مات بكلّ ما في كلمة “موت” من معنى، أي لم يبقَ في بدنه أثرٌ للحياة، وتُرك إلى اليوم الرّابع. عادة، بعد اليوم الثّاني، الميت يبدأ بأن ينتن، أي إنّ الجسد يدخل في مسار الصّيرورة إلى تراب، بعد أن ينحلّ قليلاً قليلاً. وإذا كان لعازر أُقفل عليه في القبر، فحتّى لا يَشْتَمَّ الأحياءُ رائحةَ العفن والنّتن. لعازر، الّذي مات، لم تبقَ روحه فيه. والرّبّ يسوع، إذا كان قد أقامه، فهذا معناه أنّه أعاده إلى الحياة! ما معنى العودة إلى الحياة؟! العودة إلى الحياة معناها أنّ لعازر عاد لعازر، وعادت قواه العقليّة قواه العقليّة، ودبّت الحياة في أوصاله، في عضلاته، في عظامه… كلّ خليّة امتلأت من الحياة؛ فكان لعازر كأنّه لم يمت! كأنّ الموت لم يكن! وكانت هذه علامة لِما هو أعظم. والأعظم أنّ الرّبّ يسوع قد ذاق الموت، أي إنّه قد مات، بكلّ معنى الكلمة، كإنسان طبعًا، ثمّ قام من بين الأموات.
لكنّ قيامة الرّبّ يسوع تختلف عن قيامة لعازر. لعازر قام من بين الأموات بمعنى أنّه استعاد حياته، لكنّه مات بعد حين. على الرّغم من أنّ بعض القدماء كانوا يقولون إنّ لعازر قد عاش طويلاً، إلاّ أنّه عاد فمات من جديد. إذًا، الحياة الّتي استعادها لعازر كانت هي نفسها الحياة الّتي كانت فيه قبل أن يموت، لأنّه عاد فعرف النّاس، ومارس كلّ قواه، كأنّ الموت لم يكن. أمّا الرّبّ يسوع، فقيامته لم تكن استعادةً للحياة الّتي كانت فيه، في الجسد، قبل أن يموت. الحياة الّتي قام بها الرّبّ يسوع كانت حياة جديدة بالكامل. لذلك، لمّا حاولت مريم المجدليّة أن تلمسه، قال لها: “لا تلمسيني، لأنّي لم أصعد بعد إلى أبي” (يو20: 17). وكانت هذه إشارة إلى أنّ يسوع لم يقم إلى حياته السّابقة. لذلك، لا يُتعاطى معه كما سبق أن تعاطى معه التّلاميذ والنّاس. لكنّه قام إلى حياة أبديّة! الحياة الّتي استقرّت في جسده كانت حياة جديدة بالكامل. لذلك، بعد ما قام الرّبّ يسوع، صار غيرَ قابلٍ للموت، على عكس ما كانت عليه حال لعازر. الرّبّ يسوع، تنازلاً، ارتضى أن تكون الحياة الّتي فيه، قبل الموت، على مثال الحياة الّتي في النّاس. لم يكن مُلزَمًا بأن يخضع لأوهان البشرة، لأوهان اللّحم والدّم، ولم يكن مُلزَمًا بأن يموت. لكنّه تنازل، “أفرغ نفسه، وأخذ صورة عبد، صائرًا في شبه النّاس” (في2: 7). لذلك، كإنسان، عاش في الحياة الّتي يحيا فيها النّاس. لكن، بعد ما ذاق الموت، الحياة الّتي قام فيها كانت جديدة بالكامل، ولها مزايا فريدة، لا تنطبق عليها مزايا الجسد البشريّ القابل للموت. لهذا، الرّبّ يسوع قام في المجد. بقيامته من بين الأموات، جعل هذا الجسد، الّذي اتّخذه من مريم؛ ومن ثمّ من البشريّة – لأنّه كان يملك جسدًا على مثال أجساد النّاس – جعل هذا الجسد جسد المجد؛ ولأوّل مرّة في التّاريخ، صارت الحياة، الّتي أقامت في هذا الجسد، هي الحياة الأبديّة، أي حياة الله. حياة الله استوطنت في جسد الإنسان! هذا لا مثيل له! الرّبّ يسوع أقام موتى. وفي العهد القديم، إيليّا أقام ميتًا؛ وأليشع، لمّا أُلقي في القبر، أُلقي فوقه إنسان؛ فلمّا مسّ جسدُ هذا الميت جسدَ أليشع، قام من بين الأموات. لكن، كلّ هذا كان استعادة للحياة البشريّة. كلّ الّذين قاموا، أو أقامهم الرّبّ يسوع، عادوا فماتوا. أمّا الآن، فالحياة الّتي قام بها الرّبّ يسوع، فهي حياته هو بالذّات كإله! وهذه صارت غير خاضعة، بعدُ، للموت، ولا لكلّ ما له علاقة بالموت من مرض وحزن…
هذا الّذي فعله الرّبّ يسوع جيّره للبشريّة، لأنّه ارتضى أن يموت لأجلها؛ وارتضى، أيضًا، أن يقوم إلى حياة أبديّة من أجلها. هذه الحياة الجديدة، حياة المجد في جسد المجد، جيّرها للبشريّة جمعاء بالرّوح القدس. لهذا السّبب كانت هناك عنصرة. لذلك، نحن مع الرّبّ يسوع، بتنا في زمن جديد؛ وبتنا، أيضًا، في حياة جديدة. لذا، نحن نعمّد، وقد سمعتم اليوم: “أنتم الّذين بالمسيح اعتمدتم، المسيح قد لبستم”. المسيح قال عن نفسه إنّه هو القيامة والحياة. إذًا، نحن قد لبسنا، بالأسرار الإلهيّة، القيامة والحياة. لهذا السّبب، نحن لا نسلك في الوصايا الإلهيّة لكي يكافئنا الرّبّ الإله بالقيامة والحياة، فيما بعد! هذا ما يظنّه بعض الّذين هم من غير المسيحيّين، الّذين يسلكون بحسب كتابهم، لأنّهم يلتمسون مكانًا في الجنّة. والظّنّ أنّ القيامة سوف تحدث فيما بعد، في اليوم الأخير! نحن نسلك في الوصايا الإلهيّة لأنّنا قد بتنا، بالأسرار الإلهيّة، شركاء الرّبّ يسوع المسيح في القيامة والحياة الأبديّة، منذ الآن. الحياة الأبديّة مقيمة فينا، منذ الآن! بالمعموديّة نحن نولَد إلى حياة جديدة، إلى الحياة الأبديّة، نصير شركاء في قيامة الرّبّ يسوع! فإذا كنّا نسلك في الوصايا الإلهيّة، فلأنّنا قد أصبحنا شركاء الله في حياة المجد، وفي جسد المجد؛ وسلوكنا في الوصايا هو التّعبير عن أنّنا أولاد الله، عن أنّنا قد دخلنا في الحياة الأبديّة! الفرق بين الأمرين كبير جدًّا. نحن لا ننتظر، أبدًا، من الرّبّ الإله أن يُثيبنا، أن يكافئنا في اليوم الأخير! الرّبّ الإله لا يعطي أحدًا ملكوته مكافأةً! الرّبّ الإله أعطى ويعطي كلّ شيء مجّانًا. “بالنّعمة أنتم مخلَّصون، وهذا ليس منكم” (أف2: 8). هذه نُعطاها منذ الآن! نحن بشر قياميّون، لا بمعنى التّمنّي، بل بمعنى أنّنا قد دخلنا في واقع جديد، في حياة جديدة، في قيامة، بكلّ معنى الكلمة. وسلوكنا في الوصايا الإلهيّة ينبغي أن يكون، كلّ يوم، تعبيرًا عن أنّنا ننتمي إلى يسوع، وإلى حياته وقيامته، وأنّ ملكوت السّموات قد استوطن فينا. “ملكوت السّموات في داخلكم” (لو17: 21). ملكوت السّموات لا يأتي فيما بعد. لذلك، “مَن كان حيًّا وآمن بي، فلن يرى الموت إلى الأبد” (يو11: 26). الإيمان بالرّبّ يسوع يجعلنا ممتلئين من حياة الله. لذلك، المؤمن القويم له موقف آخر من الموت. هو يأتي إلى موت الجسد وهو ممتلئ من حياة الله! لا نموت لنأخذ حياة فيما بعد! نحن قد أخذنا الحياة الأبديّة بالأسرار الإلهيّة. لذلك، ما نلتمسه قد سبق وأُعطي لنا. ومسيرتنا، في الحقيقة، هي مسيرة الامتلاء من روح الرّبّ، مسيرة تفعيل روح الرّبّ المُعطى لنا؛ حتّى نصير، ونحن بعدُ على الأرض، بشرًا سماويّين؛ ومتى غادرنا هذه الأرض، وغادرنا ما هو ميت في هذا الجسد، فإنّنا نلقى أنفسنا في النّور، نلقى أنفسنا ممتلئين من الحياة الأبديّة. هذه حياتنا الجديدة! وحتّى هذا الجسد سوف تأتي ساعة نستعيده فيها، بنعمة الله؛ وتصير الحياة الجديدة، الّتي أُعطيت لنا، مستوطِنَةً في جسد المجد الّذي هو جسدنا. هذا الجسد، الّذي سيتمجّد كما تمجّد جسد يسوع، سوف يُعطى لنا في تمام الأزمنة. لكن، حتّى ذلك الحين، سيكون كلّ واحد منّا، إذا سلك في الإيمان بالرّبّ يسوع، وكان أمينًا له إلى المنتهى، ممتلئًا من حياة الله، من الحياة الجديدة، من نور الله. صحيح أنّنا سنكون بلا هذا الجسد حتّى اليوم الأخير، حين يقوم هذا الجسد إلى المجد. لكن، ما لم يكشفه لنا الرّبّ الإله هو أنّ جسد المجد، إذا لم يكن لنا، فماذا يكون لنا بعد أن نموت؟! هذا لا نعرفه. لكنّنا نعرف أنّنا سنكون في المسيح، بطريقة ما، بشكل ما. الله يعرف، نحن لا نعرف! الله لم يكشف لنا إلاّ ما هو نافع لنا.
إذًا، حياتنا سوف تكون، منذ الآن، إذا ما سلكنا بأمانة من جهة الله، حياةَ الله، وسوف نمتلئ من حياة الله أكثر فأكثر، ومن نور الله أكثر فأكثر، ومن مجد الله أكثر فأكثر، إلى أن يحلّ يوم القيامة العامّة، حين يستعيد الرّبّ الإله الجسد. لكنّه يجعله ممجّدًا. والحياة الجديدة، الّتي أُعطيت لكلّ واحد منّا، تستقرّ، إذ ذاك، في جسد المجد. نحن لسنا أرواحًا، نحن لسنا ملائكة، نحن بشر؛ ومن ثمّ، هذا الجسد لا بدّ له من أن يقوم إلى المجد. على هذا الرّجاء، نحن نسلك في الحياة، ونسلك في الوصيّة، ونسلك في محبّة الله. ليس هناك على الأرض شيء آخر يعيش الإنسان فيه ومن أجله. “إن عشنا، فللرّبّ نعيش؛ وإن متنا، فللرّبّ نموت؛ فإن عشنا وإن متنا، فللرّبّ نحن” (رو14: 8)، تمجّد اسمه إلى الدّهر.
آمين.