الأرثوذكس في البلد – المطران جورج (خضر)

mjoa Saturday June 21, 2014 145

لا تنتظروا مني ان أقول لكم إنهم عظماء. هم مثل كل الناس. ليسوا أدنى ولا أعظم. في تصنيف الأديان هم مسيحيون ولأسباب عديدة لا يعتبرون انهم شيء عظيم وان اغتر بعض. هل هم عدد فقط أم لهم ميزات؟ ما من مجموعة دينية ليس لها ميزات لأن الدين إلى جانب كونه قناعة وجدانية هو ثقافة قائمة بذاتها. هذا ما يعرف بأنه ثقافة خاصة. فالمسلم الفارسي ببعض مكوناته غير المسلم العربي. والأرثوذكسي السوري أو اللبناني في أذواقه الحضارية غير اليوناني. لذلك لا يصح اعتبار النموذج الإناسي واحدًا بين مسيحي ومسيحي من طائفة أخرى. المثال الحضاري أو الذوقي قد يوحد مسيحياً ومسلماً ولا يوحد المسيحي والمسيحي أو المسلم والمسلم.

orthodox-fi-elbalad

 

ومما يؤسس هذا جزئياً ان لكل طائفة مسيحية أفقًا حضاريًا. ففي أشياء تراها بعيدة عن طائفة مسيحية أخرى وأقرب إلى المسلمين. فمن المسيحيين من لا تحس عندهم بعداً حضارياً أو ذوقياً يختلف عن المسلمين ولهذا أسباب عديدة لا مجال لبحثها هنا. ومن المسيحيين من كان أشد تعصباً وان لم يكن أعمق ديناً. وقد يتحدر هذا في اللاهوت وليس فقط في عوارض تاريخية زمنية. قراءتك الزمنية، التاريخية لطائفتك قد تبعدك عن بعض من أبناء مذهبك الذين لهم احساس تاريخي، زمني آخر. فوحدة الإيمان المسيحي بيننا لا تعني بالضرورة تقارباً في فهم الأزمنة التي عبرنا بها أو في قراءة واحدة لمسيحيتنا التاريخية. فالمارونية ثقافة كاملة والأرثوذكسية كذلك أو بالتصنيف العصري كل واحدة حضارة جزئية sous – culture.

لذلك ما كان الخلاف فقط بين المسيحيين عندنا اختلافاً مذهبياً فحسب. هو خلاف في قراءة التاريخ وقراءتان منا للمسلمين. وهذا عندي ليس قراءة في مفهومين مختلفين للعروبة ولو كان هذا ممكناً. هذا بين الكاثوليك والأرثوذكس اختلاف في فهم العلاقة بين الكنيسة والعالم، هل الكنيسة تضم في كينونتها العالم إليها كما هي قراءتي للكثلكة أم الكنيسة في العالم روحه كما أفهم الأرثوذكسية؟

الروم كما يسموننا لبنانيون جنسية وعرب حضارياً. ليسوا أمة. هم كنيسة فقط أي كيان يحيا في الزمان مسيرته إلى الآخرة وفي دنياه يختلط. نحن لسنا أمة لأننا لبنانيون في لبنان وسوريون في سوريا. ووحدتنا كنسية لا قومية. الشعور القومي شرعي ولكنه يبقى لهذه الأرض. نحن واحد مع أرثوذكسيي العالم في الإيمان وواحد مع أهل بلدنا في الانتساب إلى أرضنا وتاريخها. ولعلنا معروفون بأننا نميز الأشياء. تسميتنا بروم جاءت من المؤرخين الغربيين الذين يقسمون المسيحيين إلى يونانيين ولاتين. ولكن أبسط القول اننا لسنا يونانيين لا جنسًا ولا لغة. اسمنا عند المؤرخين مستقيمو الرأي بتميزنا عن الذين شذوا عن استقامة الرأي. طبعًا هذا اصطلاح علمي فيه اختلاف. فمن الواضح ان تسميتنا في سوريا ولبنان وفلسطين بروم لا سند لها من حيث القومية أو الجنس. هي قائمة على رؤية ان العالم المسيحي انقسم إلى روم ولاتين مذهبياً. الروم في التسمية العربية التاريخية هم البيزنطيون وليسوا أبناء بلادنا. نحن سمينا هكذا لأننا كنا مع بيزنطية الرسمية على مذهب واحد. أما اسم أرثوذكسيي هذه المنطقة المعروف عند المؤرخين الأوروبيين فهو الملكيون نسبة إلى مذهب الامبراطور البيزنطي. لست أعلم تاريخياً لماذا سقطت تسمية الملكيين من الروم الأرثوذكس وهم معروفون بها في الأوساط العلمية، حتى اليوم.

21 حزيران 2014
جريدة النهار
المطران جورج (خضر)

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share