ورقة الأخ ديمتري سمعان “شهادتنا في زمن مضطرب” في المؤتمر الـ45

mjoa Thursday November 27, 2014 364

ورقة الأخ ديمتري سمعان “شهادتنا في زمن مضطرب” في المؤتمر الـ 45 لحركة الشبيبة الأرثوذكسية

شهادتنا في زمن مضطرب

: “السلام استودعكم وسلامي أعطيكم ، لا أعطي انا كما يعطي العالم ، فلا تضطرب قلوبكم” (يو 14:27)

الاضطراب حالة رافقت المسيحيين من يوم العنصرة وحتى الان، وإن بدرجات متفاوتة ومن مصادر مختلفة، منها الخارجية ومنها الداخلية. وقد اشار اليها الرب بانه “تاتي ساعة يظن فيها كل من يقتلكم انه يقدم عبادة لله” (يو 16:2).لكن التحدي الوجودي الذي يواجهه الوجود المسيحي حاليا في هذه المنطقة من العالم ( شرقنا الغالي ) يتجلى في ظهور التنظيمات الارهابية التكفيرية التي تتخذ من الاسلام لبوساً في حين أنها، بالحقيقة، تشوه الاسلام الذي عرفناه وعايشناه. إنّها نتاج فكر إقصائي يصادر الحقيقة ويحتكرها وينطق باسم الاله. إن الفكر التكفيري هو آفة رافقت الإنسانية، واكبَت وجود الأديان واكتسب القائمون على شؤونها “حصانتهم الإلهية” منصّبين أنفسهم المفسّرين القيّمين الحصريين على إقامة “الدين الحق”، ووكلاء لله في أرضه. هذا الفكر الأصمّ أنجب التيارت الالغائية، وتمّ استثماره في خدمة مشاريع تزعزع استقرار المنطقة لمصالح شتى منها إعادة بناء المجتمعات والدول على اسس دينية مذهبية صرفة تتوافق مع المشروع الصهيوني وتخدم مصلحته ومشروعه في المنطقة .

شهادتنا-في-زمن-مضطربغالباً، لم يستهدف هذا الفكر الوجود المسيحي في هذه المنطقة تحديداً، بل إنّه يعارض ويدين ويكفّر كل فكر آخر يختلف معه، يتغذّى بالفكر الطائفي والمذهبي وينمو ويترعرع في ظلّ القمع الفكري والعنف السياسي والأمني وغياب العدالة والتنمية الاجتماعية والثقافية والفكرية، وحيث يسود الجهل والفقر .

هذا التحدّي أدّى الى حال من الاضطراب كان لها انعكاسات خطيرة على حياة المجتمع بشكل عام والمجتمع المسيحي بشكل خاص. تجلّت هذه الانعكاسات بمظاهر مختلفة يمكن تلخيصها بما يلي:

– إثارة تساؤلات وجدانية لدى البعض حول دور الله في حياة البشر و”سماحه” لهذا الشرّ بالامتداد والقوة، وحول أثر الصلاة وفاعليتها في مواجهة هذه التحديات، ما يُشير الى تشتت إيمانيّ وفقدان للسلام الداخلي .

– سيطرة الاهتمام بالشان اليومي المعيشي والامني .

– الضغط الاقتصادي المعيشي وتوقّف العمل والانتاج واتّساع دائرة المحتاجين كثيرا والقضاء على معظم الطبقة الوسطى التي ينتمي اليها السواد الاعظم من المسيحيين.

– افتقاد دور الكنيسة الراعية، عموماً، في هذه الظروف، والأثر السلبيّ الجارح لاختطاف سيادة المطرانين بولس اليازجيّ ويوحنّا ابراهيم.

– ما قد ينتج عن توظيف هيئات الاغاثية الرسمية والدولية للعديد من الشباب من أثر سلبيّ على روحية العمل التطوعي المجاني لدى الشباب والذي كان الاساس في خدمتنا على مدى أجيال .

– ومن الانعكاسات غير المباشرة أن حلّت الخدمات الاغاثية الواسعة، التي تشمل كافة شرائح المجتمع بكلّ مكونّاته، بدل الخدمة الاجتماعية الرعائية ما أضعفَ الاحتضان المباشر للمؤمنين وزاد من الضغوط على العاملين في هذه الخدمة.

غير أنّ بُعداً إيجابيّاً تجلّى رغم هذه الظروف هو انخراط معظم الأخوة، صغاراً وكباراً، في هذه الخدمات والأثر الجيّد لانفتاحهم وخدمتهم لكافة شرائح المحتاجين في المجتمع. وكذلك نموّ روح الجماعة المتعاضدة المؤمنة التي تعمل على تجسيد إيمانها عطاء وخدمة متجاوزة التموضع الطائفي والمذهبي. هذه الروح التي تجلّت في كافة المراكز حيث كان للامانة العامة للحركة دور في تنظيمها والتشجيع عليها وتعميم فائدتها.

في خضم هذا الاضطراب، وبنتيجته، نحن مدعوون الى أن نتحلّى ونتقوّى بالرجاء بيسوع المسيح و إلى تبنّي رؤيا إنجيلية تعالج قضية الدفاع عن وجودنا المسيحي في هذه المنطقة وشهادتنا فيها ارتكازاً الى قناعتنا بأن وجودنا في هذا الشرق إنّما هو جزء من القصد الالهي للحضور المسيحي في هذا العالم ليعكس دفاعنا عن هذا الوجود، أياً كان الظرف والمكان والزمان، ثباتاً إيمانياً ” بأننا به نحيا ونتحرك ونوجد “.

بناء عليه يجب إعادة التأكيد أن هذا الدفاع لا يكون، كما يدعو البعض، بالتسلح الشخصي والجماعي للحماية الذاتية ! إن هذه الدعوة، وإن كانت تطرح بين وقت واخر نتيجة حوادث مؤلمة محدودة، تتعارض مع روح السلام الانجيليّ الذي ينبذ العنف والقتل والتسلح اقتداءً بالسيد له المجد، إضافةً الى ما تشكّله من خطر على الوجود المسيحي في المنطقة لأسباب مختلفة وذلك ارتكازاً إلى تجارب سابقة لا زالت آثارها واضحة. إن سلاحنا الوحيد هو الايمان والرجاء والمحبة كما يدعو الرسول بولس، المحبة والعيش بحسب إرادة الرب و التشدد بالجماعة لتفعيل وجودنا كملح في هذه الارض والمجتمع، واعين دائما أهمية أن نحافظ على نقاء ذواتنا ( افرادا وجماعة ) من أي شوائب أو تلوث، مشاركين معاً، بوحدتنا ومحبتنا، في مواجهة الشر في هذا العالم.

الثبات المدعوون إليه لا يتوافق مع ظاهرة الهجرة، المطروحة حالياً بشكل ضاغط، وخصوصا الهجرة الدائمة الشاملة للأسرة بكافة مكوّناتها لدواع اقتصادية وأمنية وسعي الى ضمان المستقبل بشكل أفضل. إنّ هذه الهجرة لا تزال حتى اليوم ظاهرة فردية ما يدعونا إلى مواجهتها وعدم تشجيعها كيّ لا تتوسّع وتعمّ لتصير بمثابة “إبادة جماعية”[ 1] إذ ستؤدي، في هذه الحال، الى زوال الوجود المسيحي من هذه المنطقة التي هي مهد المسيحية ومنها انطلقت البشارة الى العالم اجمع. علينا مواجهة هذا التحدّي بجدية متمسكين بايماننا وبدورنا الشاهد الذي كلّفنا به الرب، ملتزمين قضايا أوطاننا، مشاركين بالانخراط في تمتين مُنعة وطننا وتقدمه وتطوره، والعمل على إغناء تنوع نسيجه المجتمعي وتحقيق الحياة الكريمة فيه بتكريس المساواة في الحقوق والواجبات والعدالة والتنمية المجتمعية.

قد لا نختلف على هذه الرؤيا المستلهمة من إنجيلنا ومبادئنا وتراثنا. لكنّ ما علينا التأمّل به هو كيف لنا أن نُكيّف توجهاتنا وأنشطتنا ونمدّ آفاق تربيتنا في سبيل ترسيخ شبابنا فيها وسط الشدائد التي تحيط به وبنا. وهذا منطلقه أن نؤسّس بشكل مبرمَج، حسب ما نرى مناسباً في كلّ مكان، لما يبني الشباب المؤمن ويثقّفه وينميّه في الوعي الاجتماعي الشاهد. وهذا ما قد يقتضي:

– إبراز الأهميّة الإيمانية للمواطنة والتزام شؤون الوطن والشركة مع كافة المواطنين في بنائه.

– إبراز مكانة الاخر الايمانية وقبوله.

– التربية على أن أفضل وجوه شهادتنا المسيحية اليوم هي ما تُظهره حياتنا، كمسيحيين، من بساطة عيش انجيلية وتخلّ عن الكبرياء والانتفاخ والمبالغة.

– التعريف بثقافة المنطقة وتاريخها، وإبراز آفات العنف وفعالية نبذه.

– توضيح دور الله وحضوره في التاريخ وفي حياة الشخص والجماعة تحصيناً للسلام الايمانيّ الداخليّ.

– الإضاءة، عبر مجلة النور وغيرها، على كتّاب ومفكّرين،غير حركيين ومسيحيين بالضرورة، يتبنّون فكراً إيمانياً مستنيراً ويتحلّون بحضور مجتمعي ثقافي وفكري ملحوظ.

– مواكبة تعاونية النور لهذا الموضوع وتعميم ما سبق وصدر عنها من كتب تتوافق معه (النضال اللاعنفي، البُعد الاجتماعي للحياة الروحية، الخ..)

– تفعيل العمل المسكونيّ على الصعيدين المحلّي والعالمي وطرح موضوع الوجود المسيحي، عبره، ودور المسيحيين في المشرق حالياً وعبر التاريخ.

– إيجاد السبل والأساليب المناسبة لتثبيت الوجود المسيحي في المنطقة من خلال دعم وتشديد من التزم البقاء، وصون التواصل مع من اختار الهجرة للحفاظ على وحدة الجسد.

 

ربّما تساهم هذه الخطوات، وغيرها، في أن تدفع بشبابنا الى التميّز االشهاديّ الذي يشكّل عاملاً هاماً في صون المجتمع ويسهّل على الشباب التحرّر من مفاهيم الأقلّية والأكثرية ويدفع به الى مزيد من الاطمئنان الشخصي. هذا الاطمئنان الذي تبقى ركيزته دعم الجماعة وافتقادها واحتضانها. لقد كان لاحتضان الأمانة العامة للأخوة، ولاحتضان الأخوة، بعضهم لبعض، من مختلف المراكز دور هام في تشجيع االكثيرين على مواجهة هذه المحن.

أيها الأخوة،
في زمن الاضطراب نُدعى، كمؤمنين، الى أن نكثف ثقتنا بربنا طالبين منه ان يمنحنا الصبر والثبات والحكمة لمواجهة كافة الشدائد، “لان من يثبت إلى المنتهى فهذا يخلص”، والى أن نعمل كجماعة محبة متكاتفة لتمتين هذا الثبات باشكال وطرق مختلفة وبحبّ منفتح على الجميع مبتعدين عن كل ما يلوث فكرنا وإيماننا من تقوقع وخوف وانغلاق، ساعين إلى أن نبدع صياغة شهادة حياتية لنا تجمع [ بين “العيش في حضرة الله الدائمة “[ 2] و”التزام شؤون الأرض والإنسان”[ 3]

والرب معنا

ديمتري سمعان
تشرين الثاني 2014

[1] مقال للأب جورج مسوح –النهار.
[2] ريمون رزق ورقة حركة 1974
[3] جورج ناصيف ورقة حركة 1970

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share