أي حركة نريد؟ – سارة نصر
أصوات شبابية في المؤتمر الخامس والاربعون
أي حركة نريد؟
إن سألت نفسي ماذا أريد من الحركة، ينتابني شعور بالرهبة وبمسؤولية كبيرة جداً؛ فإنّ ذلك يستدعي أن أنظر إلى نفسي أولاً وأسأل: ماذا أعطيها؟ فنحن الحركة. وأيّ شيءٍ أرجوه منها، أرجوه من نفسي أولاً. فشباب الحركة باتكالهم على الروح يسعون إلى نشر وجه الله وكلمته في العالم أجمع. بضعة شباب صغار نفح فيهم الروح فأوجدوا الحركة، أوجدوا ما يجمعنا اليوم، أوجدوا ما غيّر مسيحيين كثيرين. فكيف لي أن أكون مثلهم؟ وكيف لي إن أغيّر وجه العالم إن لم أغيّر نفسي أولاً؟
ماذا أريد من الحركة؟ أريد ما تأسّست لأجله. أريد أن أكون على صورة مؤسّسي الحركة، هيكلاً لمبادئها وقدوةً تسعى دائماً إلى وجه الله باتكالها على الروح.
كيف لي أن أكون على صورة المؤسّسين حاملةً المسيح إلى الأخرين إن لم استند إلى كلمته وأشهد لها؟ الكتاب المقدس هو الأساس للثّبات في المسيح وعليّ أن أعي أهميّته في حياتي. هو يغذّي نفوسنا وعقولنا ويرشدنا على الطريق الصحيح, فنسلكه حاملين معنا إخوتنا. هو حياة تعاش. و إن تغاضيتُ عن قراءة الإنجيل أكون مثالاً باطلاً ومعثرةً للآخرين. بل أكون شخصاً يأتي من نفسه، من مجتمعه، من عادات مجتمعه، فيما الإنسان مدعو إلى أن يأتي من الله. هذا سبيلي أن آتي من كلمته.
كيف لي أن أكون على صورة المؤسّسين ، شفّافاً، أعكس فرح المسيح، إن لم يكن هو صديقي وحبيبي وأبي وأخي، أحادثه ويحادثني، أسمعه ويسمعني؟ هذه الصلاة التي أنا مدعوّة إليها هي صلاة الكنيسة. أولاً يجب أن نعترف أننا أشخاصاً لا نلتزم صلاة كنيستنا إلتزاماً جدياً. هذه الصلاة التي تجعلني في علاقة يومية مع الرب كعضو في شعبه: هذا يعني أن التزم صلوات الكنيسة اليومية. هذا لا يمنع حرية العلاقة مع الله.
كيف لي أن أكون على صورة المؤسّسين، إن لم أحبّ الأخر حبّاً بلا حدود، بلا قيود وبلا شروط؟ فكما أتى يسوع إلى متّى العشّار بمبادرة شخصية وبلا تمييز، أنا مدعوّة أن أكون مثله. وكما اختار الخطأة والمحتَقَرين، عليّ أن أُسقط كل الأحكام المسبقة والحواجز القائمة بيني وبين أخي. فمن أنا لأدينه؟ عليّ أن اهتمّ بإخوتي وأسأل عنهم و افتقدهم, فأشعرهم بدفء عائلة المسيح و بأنّ الكنيسة بيتهم وبأن الحركة تحضنهم. نحن مُلزمون أن نكتشف من جديد هويتنا العائلية. نحن شعب الله وأعضاو̾ه أفراداً: “جسد المسيح”. هذا يجب أن يحيي فينا هاجس دعوة العالم إلى الحياة الكنسية. هناك خطر الإنغلاق في العائلية. العائلية التي نقصدها هي مفتوحة على كل عضو في جسد المسيح سواءً كان حركيّاً أو لم ينتسب إلى الحركة بعد.
أصبح الإنسان أسير تفاهة هذا العالم. فبتطوّر هذا الأخير ننزلق يوماً بعد يوم مبتعدين عن الله بدل أن نستغل هذا التطور من أجل إيصال الكلمة إلى قلوب الناس وتنميتها في قلوبنا. ولكنّ احتمال مشقّة سرعة هذا الدّهر لن تمنعني من أن أحمل البشرى إلى الآخرين؛ وإن كنت صادقاً في نواياي فلألقِ رجائي على الله وأضع نفسي في تصرفه. فأنا أعلم أن الله يعطينا ما نقدر عليه، فهو يثق بنا ويفتح جناحيه لنا، ويروينا فرحاً وحباً وإيماناً كي نحمل نوره إلى القلوب. واجبي أن أتعلم وأتقن الاتّكال عليه في كلّ خطوةٍ أُزمعُ في الشّروع بها، لأني من دونه لا أقدر على شيء. فالألقِ نفسي بين ذراعيه فيرفعني فوق كل الصعوبات والحواجز.
كيف لي أن أكون على صورة مؤسّسين يدعون الى نهضة في الحركة والكنيسة، إن لم تولد النهضة في داخلي أوّلاً وإن لم أبذل كلّ جهد كي أزيد كنيستي نوراً وبهاءً؟ فقد وهب الله لكلّ واحدٍ منا عطايا كثيرة لنفعّلها في جماعتنا، فتضيء كنيستنا بأناسٍ يملأهم الروح والحياة ويسعون دوماً إلى التجدّد في المسيح. يقول مارسيل بندلي في إفتتاحية مجلّة النور عام 1958, “كل واحدٍ منّا مدعوّ ليضع حجراً في هذا البناء وقد أعطى الرب كلاًّ منّا وزنات على قدر استطاعته. هذه الوزنات يجب أن تثمر رغم كل الصعوبات.” فكنيستنا و حركتنا اليوم بحاجة إلى أناس تتمثّل بخصالهم الحميدة، بتواضعهم وعطائهم اللّا محدود. إنها بحاجة إلى شباب يجذبون الكون أجمع بحرارة الروح، بإيمانهم ومعرفتهم. إنها بحاجة إلى شباب مستعدين إلى تغيير وجه الكون باتّكالهم على الروح. إنها بحاجة إلى أن نتطلّع إلى أشخاص حاضرين في كنيستنا لديهم الكثير ولم نلحظهم بعد.
أي حركة أريد؟ أريد الحركة التي تستمر بنا. هذا أمرٌ لا أحد يطلبه من سواه، بل علينا أن نطلبه نحن من أنفسنا. نحن مدعوون إلى أن نسعى إلى تأسيس حركة الشبيبة الأرثوذكسية على نهج المؤسّسين. نريد الحركة التي كل عضو فيها يعي أنه يعمل مع الله. الحركة مكان ليعمل الجميع، ليس فيها من عضو يحيا يشاهد ما يعمله الآخرون.
الأمر الأساسي الذي نريده من المسؤولين أو نريد أن نتكفل به جميعنا أن نساعد بعضنا بعضاً على الإعتقاد أنّ القداسة التي هي دعوة الله إلينا، قداسة ممكنة.