الأحــد بعد الظهور الإلهي
كلمة الراعي:
القـديس أنطونيوس الكبير
في السابع عشر من شهر كانون الثاني تعيِّد الكنيسة المقـدسة لكوكب البرية وأب الرهبان القـديس أنطونيوس الكبير.
كثيرون منا يعتبرون أنّ الـذين سلكوا طريق التوحـد أي الرهبنة إنما اختاروا الطريق الأسهل لأنهم يعتقـدون أنه خال من التجارب التي تملأ حياة الـذين يعيشون في العالم هـذا من جهة، ومن جهة أخرى يعتبرونهم قـد استعفوا من العالم ومن مسؤولياتهم فيه ودخلوا برجا عاجيا ينظرون فيه من “بعيـد” إلى أولئك “المرميين” بين عثرات وفخاخ العـدو المارد – هـذا الكلام يحتاج إلى تصويب، فالـذين اختاروا السيرة الملائكية لن تتوقف يوما ما التجارب التي يتعرضون لها بل بالحري نستطيع أن نقول أنها ازدادت كون الشرير لا يرتاح أبـدا إلى أناس، دخلوا وهم بعـد على هـذه الأرض، سرِّ موت الرب يسوع وبالتالي سرَّ قيامته وغلبته على الموت والجحيم، إنه يشعر أنهم أفلتوا من قبضته فيحاول بملء قواه الشريرة أن يلاحقهم إلى “داخل” مناسكهم وأديارهم التي أصبحت قلاعا روحية يحاربونه فيها وبنعمة الله يتقوون على ضعف و”ينتصرون” على تجارب أشـد بكثير من تلك التي تجابه الـذين يعيشون في العالم ولسان حالهم يقول مع الرسول بولس “أستطيع كل شيء بالـذي أحبني”.فصراعهم، الـذي ليس هو”ضد لحم ودم” ولكن ضـد الشرير وملائكته،ينتصرون فيه حتما بقوة ذاك الـذي وعـدهم ووعـدنا أن قوته في ضعفنا تكمل وأنه معنا وبالتالي لا يستطيع الشرير شيئا على مختاري الله .
امّا عن موضوع إستعفائهم من العالم ومن الـذين يعيشون فيه، فلنتأكـد أن العكس تماما هو الـذي يحصل وتاريخ الكنيسة المقـدسة يشهـد على ذلك – فإذا ما طالعنا تاريخ الكنيسة في القرن الرابع حيث ارتاحت الكنيسة من الإضطهادات التي اضطرت أبناءها أن يبقوا مختبئين تحت الأرض فتمكنوا من الخروج إلى سطحها لكنها لم ترتاح لـذلك الوضع الجـديـد- تعرض أبناؤها إلى إضطهادات من نوع آخر، تعرضوا إلى البـدع والهرطقات التي كانت تحاول أن تمزق جسم الكنيسة، جسـد الرب يسوع – تعرضوا إلى تعـذيبات من أجل استقامة رأيهم والتمسك بتعليم الكلمة الإلهية لهم ومن يعرف أن يقرأ التاريخ يتأكـد بشكل واضح ان الرهبنة، عوض أن تكون إستعفاء من قبل الـذين سلكوها، أصبحت بالعكس، إلتزاما حقيقيا للـذين في العالم وخشبة خلاص أرسلتها لهم العناية الإلهية لكي ينجوا من عواصف هـذا العالم .
ولا تزال ببركة الله النفحات الإلهية التي تأتينا من الأديار المقـدسة تعزي قلوبنا وتشـدِّدنا لكي نتابع المسيرة المقـدسة نحو إلهنا القـدوس المستريح في القـديسين، ناظرين إلى شهود حقيقيين لله وضعتهم النعمة في آفاقنا، فإذا ما تطلعنا وانتبهنا إلى الخطيئة المحيطة بنا بسهولة نتيقن أن لـدى الرب شفعاء حارين يتضرعون إلى الله من أجلنا ويحاولون أن يعطونا في مناراتهم تأكيـدا دائما إننا مُكتنفون بأجنحة من اختاروا وهم بشر مجربون مثلنا السيرة الملائكية المقـدسة . فبتوسلات قديسك أنطونيوس الكبير وجماهير الرهبان المتوحـدين، أهلنا يارب أن نبقى أمناء لك دائما فننال فـداء أبـديا- آمين.
مطران عكار وتوابعها
+ بولس
نشرة البشارة
العدد 3 – في 15/1/1995