مريم ابنة “الطائفة الكريمة” – الأب جورج مسّوح

mjoa Wednesday June 24, 2015 97

مريم ابنة “الطائفة الكريمة” – الأب جورج مسّوح

ذكّرني إدخال تمثال السيّدة العذراء إلى مجلس النواب اللبنانيّ، الأسبوع الفائت، برواية نقلها الأب توم سيكينغ عن أحد المواطنين اللبنانيّين وأدرجها في دراسته النقديّة “الزرع الطيّب والزؤان في بعض الممارسات الدينيّة الشعبيّة في لبنان” (في كتاب “ما هو إلهك؟”، منشورات جامعة القدّيس يوسف، بيروت، 1994).

virgin deisisومفاد هذه الرواية أنّ أحد المؤمنين، “وكان شديد التعبّد للعذراء. وقد حدث أثناء الحرب (1975-1976) أن قتل بعض الفلسطينيّين أخاه في طرابلس، فنوى الانتقام لأخيه وطلب مساعدة سيّدة الحصن لإتمام قصده، وذهب لزيارتها في إهدن وقدّم لها مبلغًا من المال، وفي اليوم التالي قفل راجعًا. وقد استطاع على إثر هذه الزيارة أن يتحقّق من هويّة قتلة أخيه الأربعة، فقتلهم كلّهم وعاد من حيث أتى سالمـًا معافًى”. ويؤكّد الراوي أنّ “العذراء هي التي ساعدته على ما قام به، فهي تحبّ أهل هذه المنطقة بوجه خاصّ.
 ثمّة إغواء شديد لدى الناس يقودهم إلى السعي لاحتكار الله والقدّيسين ومصادرتهم، بل لتوظيفهم في سبيل تحقيق مآربهم وأحلامهم وبلوغ شهواتهم وأمانيّهم. وما الرواية أعلاه سوى نموذج عن روايات شعبيّة كثيرة تشوّه السيرة النقية والسلوك المثاليّ للقدّيسين. فمريم، البارّة الوديعة، لا يمكن أن تصبح ابنة “الطائفة الكريمة”، وأن ترشد ساعيًا إلى الانتقام إلى قتلة أخيه، فتصبح شريكة في الجريمة!
 لقد أصاب هذا الإغواء الجميع. ليس ثمّة مَن هو أفضل من الآخرين! الجميع سقط في غواية احتكار الله والقدّيسين والأبرار. الأحزاب والتيّارات المسيحيّة والإسلاميّة، على اختلاف مذاهبها، باتت تجاهر أنّ “الله معنا”، و”الله لنا”، و”الله في خدمتنا”… ما عاد الله إله أحد، بات خادمًا لأهواء خلقه!
 لا بدّ من الإشارة، هنا، إلى أنّ الهدف من مقالتنا ليس انتقاد الممارسات الدينيّة والشعائر المتّصلة بها، وليس تسجيل موقف أرثوذكسيّ “طائفيّ” ضدّ طائفة أخرى. ليس الهدف دينيًّا محضًا على الإطلاق. الهدف من مقالتنا يكمن في نقد استغلال الدين في السياسة، أو بالأحرى اللجوء إلى الدين في سبيل خدمة المآرب السياسيّة، وبخاصّة حين تجتاح المظاهرات الدينيّة والطائفيّة المؤسّسات الرسميّة التابعة للدولة.
 ليس مجلس النواب أو أيّ مؤسّسة رسميّة أخرى المكان المناسب للصلاة، بل هي مؤسّسات لكلّ منها وظيفتها المحدّدة وفق الدستور الناظم لها وللدولة وعلاقتها بالمواطنين. هي مؤسّسات وطنيّة لا دينيّة ولا طائفيّة ولا مذهبيّة. هي ليست كنائس ولا مساجد ولا خلوات ولا معابد ولا مناسك حجّ ولا مزارات ولا مقامات دينيّة ولا ضرائح أولياء وقدّيسين…
 نعم، لقد أزعجَنا، نحن الساعين إلى فصل حقيقيّ ما بين الدين والدولة، ما بين الدين والسياسة، منظر اقتحام الجموع لمجلس النواب حاملين تمثال القدّيسة مريم. ثمّة إصرار لدى بعضهم على الإبقاء على النظام الطائفيّ البغيض الذي لم يجرّ سوى الويلات على رؤوسنا منذ قرنين على الأقلّ. وما الاعتداء الذي تمّ على مجلس النواب سوى إشارة واضحة إلى أنّنا نوغل أكثر فأكثر في الخيار الطائفيّ عوض أن نسعى إلى القضاء عليه سريعًا.
 نعم، زاد إحباطنا، نحن الساعين إلى الدولة المدنيّة، دولة المواطنة والقانون، حين شاهدنا الجموع تصلّي من أجل انتخاب رئيس للجمهوريّة، عوض أن تطالب، بالوسائل الشرعيّة المتاحة وبالمظاهرات الوطنيّة وبالإضرابات، بتأمين الكهرباء والماء والطبابة المجّانيّة والتعليم المجّانيّ والضمان الصحّيّ وضمان الشيخوخة… ثمّ هل كانت الجموع المسيحيّة، مثلاً، لتصلّي مع مريم من أجل تعيين رئيس (سنّيّ) لمجلس الوزراء لو كان ثمّة رئيس للجمهوريّة (مارونيّ) في موقعه وكانت المشكلة في اختيار رئيس للوزراء؟
 إبحث عن الطائفيّة، وانسَ مريم والقدّيسين!
ليبانون فايلز
 24 حزيران 2015

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share