حول الإيمان – المطران جورج (خضر)

mjoa Thursday June 25, 2015 67

حول الإيمان المطران جورج (خضر)

إيمان الضابط الروماني قائد المئة الذي يتحدّث عنه إنجيل اليوم دعوة إلى الذين هم من غير أُمّة اليهود لكي يعتنقوا الإنجيل. ما يهمّنا في إنجيل اليوم عمق الإيمان الذي نحن مدعوون إلى المحافظة عليه وعلى ثماره. فالإيمان شيء دقيق معرّض للعطب، ولذلك شدد الآباء على الصلاة لنيل الإيمان وحفظه. انه ليس شيئا مفروغًا منه ثابتًا عند المؤمن إلى الأبد، ولكن المؤمن يسعى اليه ويتمسك به وينميه ويزداد فهمًا له.

christ-healing-servant-of-centurion في طبيعة الإيمان كما حدده الرسول أنه الثقة بالأمور المرجوّة (عبرانيين ١١: ١)، بما ننتظره، وهو يتكلم عن الحياة الأبدية ومجيء الرب الثاني. الإيمان ثقة بالأشياء المستقبلة كأنها حاضرة، وهو ثقة بالأمور الماضية كأنها حاضرة أيضا: الثقة بأن الرب افتقد شعبه وأَرسل الابن الحبيب متجسدا ومائتا وقائما من بين الأموات. هذه هي خلاصة الإيمان المسيحي، وبعدها أن الرب أسس الكنيسة وأسرارها وأنه سيأتي ونرجو مجيئه. هذا ما ورد في دستور الإيمان.

ثم ان الإيمان اطمئنان إلى الله. الايمان مشتقّ من كلمة تعني المأمن أو الملجأ أو الحِصن. فنحن نؤمن بالله إذا اعتبرناه حصنا لنا ومأْمنا. لسنا مرمِيين في العالم، لكن الله محيط بنا. نحن في الله، نسير في الله واليه. بعد أن جئنا منه، نذهب اليه، وهو المبتدى والمنتهى.

والإيمان يُعطى عطاء فهو هبة إلهية مجّانية ككل هبة. طوبى لهذا الإنسان الذي عرف ان يُبصر الله. وأما قول بعض الناس: لماذا هذا يؤمن وذاك لا يؤمن أو لا يؤمن بهذا المقدار؟ فهذا ليس مردّه إلى ان الله يوزع الإيمان بصورة اعتباطية، أي يعطي هذا ويحرم ذاك. الله ليس متعسفا. الله يعطي دائما، والانسان يحرم نفسه هبة الإيمان، لا يُقبِل اليه. الله وضع الإيمان، المسيح تجسد ومات وقام، والرسالة بُلّغت، وأنت عليك أن تستمع اليها وأن تحفظها.

كل إنسان قادر على الإيمان، ولكن هناك أشياء مشوّهة فيه تجعله لا يُقبِل على الإيمان. مثلا كل إنسان يستطيع ان يُبصر، عنده أداة البصر وهي العين. لكن هذا لا ينتبه إلى ما يمرّ بجانبه فلا يبصر، وآخر منشغل بشيء فلا يُبصر. هكذا في شؤون الإيمان، في كل إنسان بصيرة واستعداد روحيّ لكي يلتقط الرسالة، أو ان يُحجم عنها ولا يأتي إلى الكنيسة ولا يفتح الإنجيل. فهو إذًا مرتبك بأشيائه الخاصة وهو بغير إيمان. ليس أن الله لا يأتي. الله مقدّم، والإنسان لا يأخذه.

الإيمان يحتاج إلى فهم واستعداد وانفتاح وتربية. من هنا قول الرسول: “كيف يؤمنون ان لم يسمعوا وكيف يسمعون ان لم يُبشروا” (رومية ١٠: ١٤). من هنا دور الكنيسة ودور الكاهن ودور المعلّمين.

والإيمان يزول ويتلاشى ما لم يكن مقرونا بالعمل الصالح لأن الإيمان ليس أمرا عقليا كالرياضيات والعلوم. يمكن ان يكون الانسان لصا ويعرف الرياضيات. لكن لا يمكن ان تبقى مؤمنا وانت محتال وسارق وكاذب وما إلى ذلك. لا بد ان يميع الإيمان وأن يتبخر في يوم من أيام السقوط لأن هذين الأمرين متناقضان. العمل السيء وعطاء ذاتك لله أمران متناقضان، فإما أن تتوب فتنتهي إلى محبة الرب ويقوم انسجام بين ما في نفسك وما في نفس الرب، وإما أن تتنافر والرب فتبتعد عنه وتظن انه ابتعد عنك وانك فقدت الإيمان.

للإيمان اذًا شرطان: شرط أوّل هو الدخول فيه عن طريق كنيسة الله وكلام الله والصلاة، وشرط ثان هو الطاعة، طاعة الإيمان.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
نشرة رعيتي
28 حزيران 2015

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share