لا خوف في المحبّة – المطران جورج (خضر)

mjoa Wednesday September 20, 2017 534

لا خوف في المحبّة – المطران جورج (خضر)

على شاطئ بحيرة طبريّة كان السيّد يخالط التلاميذ في أعمالهم اليوميّة ويستعمل سفنهم ليبشّر. طلب إليهم أن يُبعدوا إحدى السفن عن البرّ قليلاً ليستطيع أن يتوّجه إلى الجموع ويحدّثهم عن ملكوت الله. كلّ شيء لنا هو لله، بيوتنا لله، كلّ أداة، كلّ عقل، كلّ مؤسّسة تقوم يكون الله ممجّدًا فيها بالدرجة الأولى وبعد هذا تتعاطى أمورها الخاصّة.

بعد أن بشّر يسوع في السفينة انطلقت إلى أمورها الخاصّة في البحر أي الصيد. وكان السيّد مع الصيّادين لمّا اصطادوا سمكًا كثيرًا بعد أن أمرهم بأن يلقوا شباكهم في العمق. بكلمة الله تكون الأشياء، كلّ أشياء هذا العالم، وإن كانت على غير كلمته فهي دمّارة تُفني الإنسان.

عندما حصل بطرس ورفاقه على هذه الكمّيّة الكبيرة من السمك قال للسيّد: ابتعد عنّي لأنّي رجل خاطئ. مرور الربّ بنا، إطلالة الربّ علينا، الضمير أو كلمة الإنجيل أو الصلاة لا بدّ من أن تُحدث فينا الشعور بأنّنا خاطئون. الله صارم وإن لم يكن كذلك فهو غير منقذ. الله يصطدم بنا أحيانًا حتّى الجرح لأنّ الألم بسبب الخطيئة هو انطلاقنا إلى الحياة الأبديّة. هذا شعور كان قديمًا في الشعوب كلّها ونلمسه في العهد القديم – موسى يحجب وجهه عندما يظهر له الربّ في سيناء – وكأنّ بطرس أخذ يشعر بأنّ هذا المعلّم الذي جمعهم إنّما هو الإله الذي نخشاه ونحجب وجوهنا أمامه. اعتراه الذهول واعترته رعدة ولكنّ الربّ قال له: لا تخف، سأجعلك صائدًا للناس، ولكن شرط ذلك أن تعرف أنّك خاطئ.

لا تقدر على أن تكون راعيًا لكنيسة المسيح ما لم تعرف في كلّ حين أنّك مسؤول أمام الله وأمام ضميرك،. لسنا سادة على الناس ولا نستولي على ضمائرهم، لكن جلّ اهتمامنا أن نقوّي الضمائر، أن ننبّهها إلى إرادة الله حتّى يصبح الناس سادة على أنفسهم. الكهنة ليسوا سادة إنّهم إخوة يوقظون الضمير ليسود الإنسان على الكون.

«سأجعلك صائدًا للناس» ولذلك يجب ألاّ تخاف، الشرط الأساس ألاّ تخاف إذ ينبغي أن تحبّ. لمّا ظهر الربّ لبطرس من بعد القيامة قال له: «يا سمعان بن يونا أتحبّني أكثر من هؤلاء»؟ قال بطرس: «نعم يا ربّ إنّي أحبّك». فقال له: «ارعَ خرافي». أي أنّك يا بطرس، من بعد جحود، عدت إلى الإيمان التامّ من محبّة تجدّدتْ فجعلتك محبّتك قادرًا على الرعاية. المحبّة شرط الرعاية وإلاّ يكون الراعي مستفيدًا من الرعيّة ومتسلّطًا عليها بأنانيّة. إن استطعتَ أن تلطف بالناس وأن تتقبّلهم كما هم بكلّ خطاياهم ، لا تدينهم بل ترحمهم. إن استطعت ذلك فأنتَ ترعى برعاية الله، بعصا الله، بكلمة الله، وإلاّ تكون راعيًا إيّاهم بعصاك، بكلمتك، بشهواتك.

لا تخف يا بطرس إذ ينبغي أن تحبّ لتتمكّن من اصطياد الناس، قال الرسول يوحنّا الإنجيليّ، وقد كان حاضرًا مشهد الصيد العجيب، في رسالته الأولى: «لا خوف في المحبّة بل المحبّة الكاملة تطرح الخوف إلى الخارج لأنّ الخوف له عذاب ومن خاف لم يكتمل في المحبّة (٤: ١٨). ولذلك إن أنتَ أحببتَ فترعى غير محرّض الناس على الناس لأنّك لا تخاف. وإن رعيتَ بالمحبّة فلا يتقلّص الناس بسبب كلامك، ولكنّهم ينفتحون ويتمدّدون في الدنيا ويرتاحون إلى ربّهم. الإنسان الذي يعيش في الخوف إنسان لا يستطيع أن يغفر ومن لا يقدر على أن يغفر لا ينال الإله.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

نشرة رعيتي

٢٤ أيلول ٢٠١٧

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share