الألم علاجه الحبّ !

الأب جورج مسّوح Saturday September 30, 2017 281

الإنسان مصيره الموت الجسديّ عاجلاً أم آجلاً. صغير السنّ أم طاعن السنّ أمام الموت متساويان، فالموت لا يميّز ما بين طفل وعجوز. هل من حلّ لهذا المصير الحتميّ، أي الموت الجسديّ؟ كلا، وإن استطاع الطبّ والعقارات الجديدة إطالة عمر الإنسان والتخفيف من الآلام، إلاّ أنّه لن يصل إلى إلغاء حتميّة الموت الجسديّ.

إذا كان الموت الجسديّ حتميًّا، فماذا عن الألم؟ لماذا يتألّم الإنسان؟ هل الألم جزء من الطبيعة البشريّة أم أنّه دخيل عليها؟ أسئلة كثيرة تراود المؤمنين وغير المؤمنين على السواء في شأن الألم الذي تعاني منه كلّ البشريّة، من دون استثناء.

لا بدّ، بدءًا، من القول إنّ الألم لا ينتج من المرض وحسب، بل من عوامل كثيرة، لذلك مصدر الألم ليس واحدًا بل متعدّد. فثمّة آلام تصيب الأصحاء جسديًّا، لكنّهم يعانون من إحباطات عاطفيّة، أو نفسيّة، أو ماليّة، أو علميّة (عدم تحقيق الطموح العلميّ المنشود)، أو روحيّة… ليس إنسانٌ يحيا ولا يتألّم، هذه هي القاعدة الذهبيّة.

وفق الإيمان المسيحيّ، الموت والألم دخيلان على الطبيعة البشريّة. فالله، نبع كلّ صلاح، خلق الإنسان خالدًا، أي أنّه لا يموت ولا يتألّم… لكنّ الإنسان، بعصيانه الله، أي برفضه نبع الحياة، والابتعاد عنه حكم على نفسه بالموت والألم والعذاب. مجيء المسيح، وخضوعه للموت على الصليب، وقيامته، أعاد ترميم العلاقة ما بين الله والإنسان. لكنّ الألم والموت بقيا سيفين مصلتين على رقاب البشريّة كلّها.

يؤكّد المطران جورج خضر أنّ الله ليس سبب كلّ شيء يحدث معنا على هذه البسيطة. يقول خضر في حوار مع سمير فرحات: “هناك عوامل في الطبيعة وفي الذات البشريّة. إذا حرّرنا الله من مسؤوليّة الألم، عند ذاك يمكن أن نتحرّر من صورة هذا الإله القاتمة، الإله المسيطر الذي يتسلّى بعذاب البشر. الميل الطبيعيّ في الشرق خصوصًا، أنّ الحياة خيرها وشرّها من الله. في العهد الجديد بعد أن احتمل يسوع آلام البشر، لم يبقَ الله سببًا للمعاناة البشريّة، وانتقلنا من موقف فلسفيّ نظريّ بحت، إلى موقف مشاركة في المسيح” (هذا العالم لا يكفي، تعاونيّة النور الأرثوذكسيّة للنشر والتوزيع، ص 207).

أتى المسيح ليفدي الإنسان ويعتقه من الخطيئة ليحيا معه إلى الأبد. والمسيح قدّم ذاته قربانًا على الصليب بعد أن شارك البشريّة في آلامها وعذاباتها. غير أنّه أعطى هذه البشريّة رجاءً كبيرًا، هو القيامة والحياة مع الله إلى الأبد. لذلك، يسعنا القول إنّ الألم بات من بديهيّات الحياة على الأرض. وما الحلّ، بالنسبة إلى المؤمنين، سوى قبوله واقعًا مرًّا لا يخفّفه سوى الاعتقاد بأنّه سبيل إلى التطهّر من الخطيئة والالتصاق بالمسيح فاديًا هذه الآلام بآلامه، ومنهضًا إيّانا من الموت إلى الحياة الأبديّة، “حيث لا وجع ولا حزن ولا تنهّد”.

يبقى أن نتعامل مع الألم بوصفه مكانًا يتجلّى فيه الحبّ الأسمى ما بين الإنسان وأخيه الإنسان. الحبّ هو وحده مَن يمكنه التخفيف من الألم. أن يرى المتألّم، أكان مريضًا أو جائعًا أو أرملة أو يتيمًا أو نازحًا أو مهجّرًا، أنّ ثمّة مَن يهتمّ لآلامه، وأنّه محبوب ومحاطٌ بأناس يهتمّون لأمره، لا ريب في أنّ ذلك يجعله يحتمل آلامه، وربّما يجعله يشعر بآلام غيره، وهذا بدء القداسة. الحبّ يستطيع أن يفعل كلّ شيء. الحبّ يستطيع أن ينقل الجبال. الحبّ هو الأعجوبة الكبرى.

الأب جورج مسّوح

“النهار”،30 أيلول 2017

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share