إشارة الصليب – المطران جورج (خضر)

نشرة رعيتي Thursday January 18, 2018 606

أودّ أن أكلّمكم اليوم على إشارة الصليب وطريقة أدائها. في كتاب القدّيس باسيليوس الكبير «رسالة في الروح القدس» (القرن الرابع)، يتكلّم القدّيس على أشياء استلمناها من الرسل، إذ ليس كلّ شيء مكتوبًا في الكتاب المقدّس، وهناك أشياء جاءتنا بالتقليد أي التعاليم الشفويّة التي جاءتنا من الأوّلين، ولم تُدوّن في البدء ولكنّها دوّنت في ما بعد. يذكر القدّيس باسيليوس الكبير أمورًا منها المعموديّة بالتغطيس ثلاث مرّات، ويقول إنّ هذه أشياء ليست مكتوبة في العهد الجديد، ولكنّنا تسلّمناها تسليمًا من الذين عاشروا الرسل فجاءت إلينا منقولة جيلاً بعد جيل.

ويضع باسيليوس إشارة الصليب بأهمّيّة التغطيس ثلاث مرّات، ونحن لا نزال نصلّب وجوهنا أي نصنع إشارة الصليب كلّما ذُكر الثالوث القدّوس. فإذا قيل «المجد للآب والابن والروح القدس» إو إذا قيل «باسم الآب والابن والروح القدس» نعمل إشارة الصليب على أنفسنا. ونلاحظ أنّ إشارة الصليب تُصنع بطرائق مختلفة، فالكاهن في الخدمة الإلهيّة يرسم إشارة الصليب على الجماعات. نلاحظ أنّه يرسمها من فوق إلى أسفل فإلى الشمال فإلى اليمين، حتّى تصل إلى الناس على يمينه ثمّ على شماله لأنّ الناس واقفون بعكس الكاهن.

أمّا إشارة الصليب المألوفة فهي التي يرسمها الواحد على ذاته بمناسبات عديدة عند دخوله الكنيسة أو خروجه منها، أو عند خروجه من البيت، أو إذا سمع صلوات معيّنة أو عند ذكر الصليب، أو إذا سمعنا من الإنجيل عبارة «فسجدوا له»، نلاحظ أنّ المؤمنين الأرثوذكسيّين إذا سمعوا لفظة السجدة ينحنون ويرسمون إشارة الصليب على أنفسهم.

إذًا إشارة الصليب مقترنة بذكر الله أو بذكر الثالوث الأقدس. جاء في سفر الرؤيا عن المسيح «أنّه هو الذبيح قبل إنشاء العالم»، أي منذ الأزل فكر الثالوث القدّوس الآب والابن والروح القدس أن يرسل المسيح لخلاص العالم. الله في معرفته الأزليّة للجنس البشريّ وفي افتقاده أو في معرفته المسبقة بخطيئة الإنسان، عرف أنّ الأقنوم الثاني أي المسيح سوف ينزل الى العالم في تاريخ مناسب ليخلّصه. وبوضوح أكثر طالما تدبير الله للعالم، عنايته، بالعالم، هي أن ينزل المسيح للصلب. الله يحتضن العالم بالفداء، بمحبّة المسيح، ولذلك كلّما يُذكر اسم الله في كنيستنا، وخصوصًا عند ذكر الثالوث القدّوس تُرسم إشارة الصليب.

إشارة الصليب مقرونة بإيماننا وهي علامة لإيماننا. إنّما يجب أن تُرسم بفهم، أي يجب أن يتّصل القلب بالثالوث بالآب والابن والروح القدس. فإذا القلب لم يتّصل تكون إشارة الصليب مادّيّة لا معنى لها مؤدّاة خارجيًّا. إشارة الصليب صلاة صاعدة من القلب إلى الله مقرونة بإشارة مادّيّة. وهذا مألوف في الكنيسة لأنّ الإنسان مؤلّف من جسد وروح، والجسد يشارك في العبادة. نلاحظ أنّنا ننحني في الكنيسة، نسجد، نرتّل … طالما للإنسان جسد لا بدّ لجسده من أن يشترك في الصلاة. في اللقاء البشريّ بين صديق وصديق هناك مصافحة، عناق، الجسد يتحرّك بطبيعة تحرّك القلب البشريّ. من هنا أنّ الإنسان يتحرّك جسديًّا في الكنيسة، ينحني، يرتفع، يجلس، يركع … هذه المشاركة المادّيّة هي العلامة المرسومة على صدرنا، على وجهنا، علامة المصلوب.

أذكر هنا آية من إنجيل يوحنّا. عندما اقترب السيّد من الموت قال لتلاميذه: «الآن تمجّد ابن الإنسان وتمجّد الله فيه» (يوحنّا ١٣: ٣١). الآن تمجّد ابن الإنسان أي أنّ المسيح يتمجّد إذا صُلب، يرتفع إذا صُلب، من هنا كلمة المجد للآب والابن والروح القدس تكون مقرونة بإشارة الصليب، حتّى نعرف أنّ مجد الله مقترن بالمسيح المصلوب الفادي.

إذًا عندما نرسم إشارة الصليب بالشكل الصحيح المُسلّم إلينا من العصر الرسوليّ، نكون واعين إخلاصنا للثالوث الإلهيّ وللمسيح المتجسّد والقائم من بين الأموات.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

نشرة رعيتي

٢١ كانون الثاني ٢٠١٨

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share