ثلاثيّة عيد الفصح (3) – يوم الخميس العظيم

الأخت لبنى فارس الحاج Thursday April 13, 2023 429
2-الخميس مساءً (سحر الجمعة)
عند المساء ندخل من نور الخميس العظيم إلى ظلمة الجمعة، يوم آلام المسيح وموته ودفنه، إذ يبدأ يوم الجمعة الليتورجيّ مساء الخميس بخدمة أناجيل الآلام الّتي هي صلاة سحر الجمعة. فكما تبعنا يسوع في يوم الخميس العظيم إلى العليّة، نتبعه في يوم الجمعة العظيم إلى الجلجلة.
الخدمة الطقسيّة لهذا اليوم قديمةٌ جدًّا، تعود نواتها إلى العصور المسيحيّة الأولى، إلى صلوات كنيسة أورشليم. وقد ضمّت ثلاثة عناصر:
– الأوّل يتألّف من تراتيل وقراءات وزيّاح ليليّ من جبل الزّيتون إلى كنيسة القيامة حيث يوجد قبر المسيح؛
– الثّاني يتضمّن السّجود لبقايا الصليب الكريم؛
– الثّالث يتضمّن الصّلوات والقراءات في مكان الصّلب نفسه.
هذه النّواة الليتورجيّة الأورشليميّة وبتأثير التّرتيب الطقسيّ البيزنطيّ أدّت في القرن التّاسع إلى تكوين ما نعرفه اليوم بخدمة آلام المسيح، حيث قطع الصّلوات المختلفة وقراءة الأناجيل الإثني عشر.
هذه البنية الدراميّة للتّسابيح تساعد المؤمنين على الغوص في المعنى العميق لآلام المخلّص وموته. فأمام هذا الحدث الخلاصيّ الذي تّممه الرّب يسوع المسيح بموته الطوعي على الصّليب يُطرح علينا السؤالان التّاليان مع كلّ كلمة من خدم الجمعة العظيمة: نحن الذين نسمّي أنفسنا مسيحيّين، ألا نجعل غالبًا منطقنا كمنطق هذا العالم الذي حكم على يسوع بالموت؟ في أيّ جانب كنّا سنقف لو كنّا عائشين في أورشليم أيّام بيلاطس؟
فهذا اليوم يكشف طبيعة هذا العالم الذي فضّل ولا يزال يفضّل الظّلمة على النور، الشرّ على الخير والموت على الحياة. إنّ هذا العالم الذي أدان المسيح للموت أدان نفسه للموت. ونحن بقدر ما نقبل روحه وخطيئته وخيانته لله بقدر ما نكون مدانين.
غير أنّ هذا اليوم هو أيضًا يوم الفداء بامتياز. فموت المخلّص قد ظهر موتًا خلاصيًّا لنا. موت المسيح هو ذروة الكشف عن رحمته ومحبّته. وبالنهاية هو خلاصيٌّ لأنّه يحطّم نبع الموت نفسه: الشرّ. فخلال آلامه كلّها، كان المسيح وحده المنتصر لأنّ الشرّ لا يستطيع أن يفعل أيّ شيء ضدّه. وهذا هو السرّ المزدوج ليوم الجمعة العظيم، السرّ الذي تظهره الخدمة وتجعلنا نشترك فيه:
فمن جهةٍ هناك التّشديد الدّائم على آلام الربّ كخطيئة الخطايا، ففيه نتوغّل مع الربّ في آلامه التي تقرأها علينا الكنيسة ١٢ قراءة، كما سبقت الإشارة، بدءًا من خطاب الوداع في يوحنّا، حيث يعذب كلام السيّد عن نفسه وعن الآب والروح المعزّي والكنيسة الطّالعة من جنبه المطعون. القراءات الأخرى تخبرنا عن كلّ ما جرى للربّ: القبض عليه، محاكمته، والآلام (البصاق والسياط، والتقريعات) الّتي اكتملت بصلبه ودفنه. ونحن نقرأ الأناجيل الإثني عشر المتعلقّة بآلام الربّ كما وردت عند الإنجيليّين الأربعة، كي لا يفوتنا شيء من بهاء حبّ الربّ لنا.
– التطواف بالصّليب:
بعد تلاوة الإنجيل الخامس يُطاف بالصّليب المقدّس أثناء ترنيم :”اليوم عُلّق على خشبة…”. نقول “اليوم” للتعبير أنّه لم يبقَ زمانٌ يفصلنا عن موت السيّد المبارك. اليوم يموت من أجلنا لنحيا بالإيمان به ونفهم أنّنا نرث اليوم ثمار الخلاص، بحيث نرجو السيّد أن يُنزل علينا خلاصه ولا نبقى متردّدين بينه وبين خطايانا.
بعد التّطواف يؤتى بالصّليب إلى وسط الكنيسة حيث يُثبّت في موضعه. وفي نهاية الخدمة يسجد المؤمنون أمام مظاهر تواضع السيّد الطوعيّة.
لكنّ هذا الجوّ المفعم بالرّهبة لا يحرمنا من فسحة رجاء إذ من الجهة الأخرى كلّ هذه القراءات تجعلنا نعيش الفرح وسط هذه الآلام منتظرين خلاصنا بالصّليب.
فذبيحة الحبّ التي تهيّئ النّصر الأخير تجعله حاضرًا منذ البداية. من هنا دُعي هذا اليوم في الكنيسة الأولى “فصح الصّليب”، لأنّه في الواقع بداية الفصح.
إعداد الأخت لبنى فارس الحاج

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share