الكنيسةُ أوركسترا روحيّة يقودها الرّوح القدس. في الأوركسترا تتعدّد الآلات الموسيقيّة، ولكلّ آلة نغمتُها وفرادتها، إلا أنّ قائد الجوقة يجعل من هذه التعدّديّة تناغمًا ولا أجمل. هكذا في الكنيسة، لكلّ شخصٍ موهبة خاصّة واستقلاليّة، لكنّ الروح القدس يوحّد النغمات الروحيّة، ويجعل من الكلّ صوتًا واحدًا هو صوت الله. فمن انقاد لروح الله يتكلّم باسم الله.
لهذا يلاحظ قارئ الكتاب المقدّس أنّ لكلّ الشخصيّات المذكورة في النّصوص دورًا مختلفًا عن الآخر. على سبيل المثال، بدءًا من العهد القديم نرى أنّ دور ابراهيم غير دور يوسف، ودور موسى غير دور أخيه هارون. كذلك هناك اختلاف بين دور النبيّ اشعياء ودور داود النّبي.
وصحيحٌ أنّ الكلّ يعملون بحسب روح الله، المحرّك، ولكنّ عمل الرّوح لا يقيّد أو يلغي شخصيّة من يحرّكُه. ولأنّ الرّوح هو عينه في العهدين، القديم والجديد، نرى نهج عمل الروح نفسَه في العهد الجديد والكنيسة. فبعد العنصرة أدوار الرّسل مختلفة بحسب اختلاف شخصيّتهم. فالإنجيليّون لم يكتبوا مثل بعضهم، متّى كتب غير يوحنّا، وبطرس خطّ رسائله بأسلوب مغاير لِما وضعه بولس. لكنّ الجميعَ جمعهم الرّوح القدس لنشر الإيمان، كلّ حسب موهبته.
لماذا يهبُ الرّوح القدس المواهب؟
يهبها من أجل بُنيان الكنيسة (راجع ١ كورنثوس ١٤: ١-٤٠؛ كذلك أفسُس ١١: ٤-١٦). ما يهبه لنا الرّوح القدس لا يكونُ إلّا من أجل خير الجماعة وتقوية الكنيسة. مواهب الرّوح ليس “ليتلذّذ” بها الإنسان، بل ليضعها في خدمة الآخر. مواهب الرّوح القدس تُركّز على الجماعة وليس على الفرد.
ولأنّ الروح يهبّ حيث يشاء، وهو لا يُقيَّد أيضًا، يُطرح علينا تحدٍّ كبير اليوم، وهو أن نميّز تجلّيات مواهب الرّوح في المؤمنين. الخبرة الكنسيّة تعلّمنا أنّ الجماعة هي من تكتشف ما وهبَهُ الرّوح لأخينا. الجماعة تدعمه وهو يعضد الجماعة.
كلّ هذا لا يكون إلّا من خلال اختبار قيامة المخلّص في وجوه الإخوة.
فخدمة المحتاجين موهبة، والوعظ موهبة، والتّعليم موهبة، وحسن الإدراة موهبة… هذه إن اجتمعت سويّة تكون الكنيسة في أبهى حالها، لأن كلّ واحدٍ فيها يُدرك أنّ ما أعطاه إيّاه الرّوح ليس له بل للإخوة، وأنّه والجماعة مقيّدون بسلاسل المحبّة الأخويّة التي جاد روح الله عليهم بها.
هذه هي الكنيسة: جماعة متعدّدة الأشخاص، ولكنّها واحدة بالصّوت، صوت الرّوح القدس المتكلّم فيها.
الأب رامي ونّوس