كان القدّيس أثناسيوس حبيسًا في دير الكهوف في مدينة كييف الأوكرانيّة. قصّته أنّه بعدما سلك راهبًا ردحًا من الزمان وأرضى الله بسيرة نقيّة مرض ومات. جاءه الرّهبان فغسلوه ولفّوه. بقي يومًا كاملًا دون أن يُدْفَنَ. كاتِبُ سيرته قال أنّه كان فقيرًا ولا يملك شيئًا لذا لم يعبأ به أحد. والظّاهر أنّه في دير الكهوف النظام كان إيديوريتميًا، أي إنّ كلّ راهب فيه كان مستقلًّا بنفسه في أكثر الأمور ولا يلتقي بغيره إلّا في السبوت والآحاد للاشتراك في الأسرار المقدّسة.
وفي أحد اللّيالي تراءى إنسان لرئيس الدير وقال له: “إنّ رجل الله هذا بقي بلا دفن يومين، ولكنّي أقول لكم، افرحوا!”. بادر الرئيس إلى حيث كان الرّجل الميت، في اليوم التالي، ومعه الإخوة جميعهم، فوجدوا أثناسيوس جالسًا يبكي، فامتلأوا رِعدة وسألوه: “كيف عُدتَ إلى الحياة وماذا رأيتَ؟” فلم يجبهم فقط قال: “خلّصوا نفوسكم!” فاستمرّوا يلحّون عليه ليسمعوه منه كلمة منفعة، فقال لهم: “لو تكلّمت لم تصدّقوني!” فأقسم له الإخوة قائلين: “نعدك بأن نحفظ كلّ ما تطلعنا عليه”. قال: “أطيعوا رئيسكم في كلّ أمر، توبوا كلّ ساعة، صلّوا إلى الربّ يسوع المسيح وإلى والدته الكلّية النقاوة أن تنجزوا أيّامكم في هذا الموضع وأن تُحسبوا أهلًا لأنّ تُدفنوا في الكهوف بجانب الآباء القدّيسين. هذه الأمور أعظم كلّ الفضائل. فإذا أتممتم ما أوصيكم به فلا تنتفخوا والآن، لا تسالوني بعد، سامحوني، أتوسّل إليكم!”. قال هذا وذهب إلى مغارته وأغلق على نفسه اثني عشر عامًا لم يتفوّه خلالها بكلمة واحدة لأحد. ولمّا حانت ساعة مفارقته، دعا الإخوة وأعاد عليهم ما سبق أن قاله لهم، وأضاف: “طوبى لمن يُحسب مستأهلًا لأن يُدفن ههنا”. ولمّا قال هذا رقد بسلام في الربّ.
ثمّ إنّه بعد ذلك بزمن جيء بأخ من الرّهبان كان يعاني من مرض مزمن في الكلى فلمّا مسّّه جسد أثناسيوس شُفي من ساعته. اسم الأخ كان كابيلا. وقد أفاد إنّه فيما كان ممدَّدًا يصيح من الألم، إذ به يعاين أثناسيوس آتيًا إليه وقائلًا: “تعال، أشفيك!”. وإذ كان بابيلا على وشك أن يساله كيف ومتى اختفى من أمامه. إذ ذاك أدرك الإخوة أنّ أثناسيوس قد أرضى الله بسيرة حسنة. يُذكر أن صاحب السيرة لم يرَ ولا حتّى نور الشمس خلال الإثنتي عشرة سنة التي قضاها حبيسًا في الكهف ولا توقّف عن البكاء ليلاً نهارًا. كان لا يأكل من الطعام غير الخبز ولا يشرب غير الماء مرّة في اليوم.