يجعل مترجموه تاريخ ميلاده يوم التاسع عشر من تموز سنة ۱٧٥٩م في بلدة كورسك في روسيا الوسطة. كان أبوه، إيزيدوروس، بنّاءً. رقد وقدّيسنا في السنة الأولى من عمره. أمّه، أغاثا، كانت امرأة طيّبة قويّة النفس معروفة بحبّها للمرضى والأيتام والأرامل وعنايتها بهم. محبّة أمّه للناس أثّرت في نفسه أيّما تأثير، فلمّا كبر أبدى من التّفاني في خدمة المرضى والمضنوكين ما كان في خطّ أمّه يزيد. سيرافيم هو ثالث الأولاد في الأسرة بعد أخ وأخت. عندما بلغ العاشرة من عمره مرِض مرضًا خطيرًا. وفيما ظنّ مَن حوله أنّه مشرف على الموت تعافى. عندما بلغ السابعة عشرة، اشتغل في التجارة مع أخيه ألكسي، لكنّ التجارة لم تستهوِه وما فهِم البيع والشراء ورأس المال والدَّين إلّا إشارات ورموزًا للحقائق الروحيّة. وقد مالَت نفسُه الى الحياة الرّهبانيّة، فسافر واثنين من أصحابه إلى كييف وأصبح راهبًا مبتدئًا فانضمّ إلى دير ساروف الكبير وهو في التاسعة عشرة من عمره. سلَك في الطاعة والتواضع وصلاة القلب والأصول الرّهبانية ككلّ الرّهبان. عمِل في الدير خبّازًا وعمِل نجّارًا. جمَع بين العمل وصلاة يسوع. لاحظ رؤساء بروخوروس صبره واحتماله وحميّته في الخدم اللّيتورجية فجعلوه قارئًا. وكان محبًّا لكتب الآباء. نُهي عنه أنّه درس مؤلّف القدّيس باسيليوس الكبير عن الخلق في ستّة أيّام وكذلك مقالات القدّيس مكاريوس وسُلّم الفضائل للقدّيس يوحنا السلّمي وغيرها من كتابات الآباء النسّاك، إضافة إلى الكتاب المقدّس الذي اعتاد أن يسمّيه “زوّادة النفس”. كان أوّل الأمر، يقسو على نفسه قسوة شديدة؛ يسهر كثيرًا ولا يأكل إلاّ قليلًا. وقد سبّب له ذلك أوجاعًا حادّة في الرأس ومرِض. لذلك أخذ نصح المبتدئين، فيما بعد، بعدم التقسّي الشديد في النسك، أن يناموا خمس أو ستّ ساعات ويرتاحوا قليلًا أثناء النهار إذ ليست الإماتة موجّهة للجسد بل للأهواء. هذا ولم يستردّ القدّيس عافيته إلّا بعد ثلاث سنوات وبعدما ظهرت له والدة الإله، من جديد، برفقة بطرس ويوحنا، وقالت لهما عنه: “هذا واحد منا!”. لبِس الإسكيم الرهبانيّ وهو في السابعة والعشرين. من ذلك اليوم صار اسمه سيرافيم.
تشمّس سيرافيم سبع سنوات وقد أُعطي أن يعاين الملائكة يشتركون في خدمة الهيكل والكهنة والشمامسة، وسمِعهم يرنّمون تراتيم سماويّة لا مثيل لها بين الناس، وقد عاين الربّ يسوع مرّة وكان يشمّس فتسمّر في موضعه إلى أن خرج شمّاسان وحملاه إلى الداخل حملًا. سيمَ القديس كاهنًا وهو في سِنّ الثلاثين وقد مَنّ عليه الرّب الإله بمواهب الشفاء وطرد الأرواح الشريرة والبشارة بكلمة الله. كما اعتاد أن يحثّ المؤمنين على المناولة المتواترة. بعد سنة من ذلك، سمَح له رؤساؤه بمغادرة الدّير والعيش ناسكًا على بعد حوالي ستة كيلومترات من الدير في الغابة. كان القدّيس سيرافيم قد شاخَ قبل أوانه. كما كان المرض والإمساك قد أضنياه، وكانت رجلاه منتفختَين متقرّحتَين. لهذا سمح له رؤساؤه بالعزلة. كان لا يذهب إلى الدير إلّا في آخر الأسبوع ولا يحمل معه إلّا القليل من الخبز عائدًا. وقد كان له شركاء في طعامه: حيوانات البريّة التي صارت له عشيرة أليفة. وكثيرًا ما كان يحدث أن يُخطَف بالرّوح وهو يرنّم. وفي عودة القدّيس الى الدير، في الآحاد والأعياد، كان الرّهبان يتحلّقون حوله ويصغون إليه وهو يحدّثهم عن الله. كان منسكُه أجرَد. حتّى السرير لم يكن موفورًا، كثيرون أخذوا يشقّون طريقهم إليه طلبًا للنصح والبركة.
بعد سنوات طويلة، شابَ شعرُه واحدَودَب ظهره وصار لازمًا له أن يستعين في مشيته بعصى. فلمّا عاد إلى منسكه دخل في صمت ولم يعد يذهب الى الدير، فاتّخذ مجلس الشركة قرارًا باسترداده، فعاد طائعًا. كان قد مضى على نسكه خمسة عشر عامًا أقفل القدّيس على نفسه قرابة الخمس سنوات، قليلًا ما كان فيها يكلّم أحدًا، وكانوا يأتونه بالقُدسات إلى قلّايته. ثمّ بعد ذلك انفتح وصار يقبل الزائرين المنتصحين. على هذا النحو، وبعد سبعة وثلاثين عامًا من التهيئة بانَت موهبة القدّيس: أن يكون شيخًا روحانيَّا، ستاريتزا يُعنى بالنفوس. وصاروا يأتون إليه من كلّ مكان. حتّى القيصر ألكسندروس الأوّل اعتاد المجيء إليه. وإذ زاد عدد الطالبين صلواته فوق الطاقة، صار أحيانًا يكتفي بإضاءة شمعة لكلّ منهم اقتداءً بموسى الذي أشعل من أجل الشعب قديمًا نارًا تكفيريّة. أسّس ديرًا للفتِيّات بين الرّاهبات أسماه دير الطاحونة قريبًا من أوّل دير أسّسه. بينهنّ عدد من القدّيسات. شهد سيرافيم نفسه ونقل عارفوه أنّه كانت للقدّيس إلفة كبيرة بوالدة الإله وأنّها أتت إليه لا أقلّ من اثنتي عشرة مرّة في حياته. تناول القدُسات الإلهيّة في الأوّل من كانون الثاني سنة 1833 وقَبّل أيقونات الكنيسة مُشعلًا أمام كلّ منها شمعة. ثمّ بارك الإخوة قائلًا لهم أن يصنعوا خلاصهم وأن يسهروا لأنّ الأكاليل قد أُعدّت لهم. بعد ذلك زار مدفنه، ثمّ أغلَق على نفسه في القلّاية. وأثناء اللّيل رقد، وقيل كان على ركبتيه. في 9 تموز سنة 1903 جرى إعلان قداسته.
طروبارية القدّيس سيرافيم
تبعتَ المسيحَ بحرارةٍ منذ صباك، أيّها القدّيس ساروفيم، ونسكتَ في ساروف كملاكٍ أرضي، باذلًا كلَّ قواكْ. فاقتنيتَ المعزّي، في جهادِ الصلاة،عاينتَ أمَّ اللهِ، عبرَ هذه الحياة. وصرتَ متوشِّحًا بالله شافيًا، لذا نَغبطُك.