وُلد ثيودوسيوس في قرية كبّادوكية تدعى موغاريسوس لأبوَين تقيَّين اسم أبيه كان بروهيريسوس واسم أمّه أفلوغيا، ترهّبت، في كِبرها، وصار ابنها ثيودوسيوس أباها الرّوحيّ. كان قويّ البنية. أمرٌ واحدٌ كان يملأ جوارحه: الرّغبة في رؤية الأرض المقدّسة. اعتاد أن يقرأ الكتاب المقدّس باستمرار. لمّا بلغ ثيودوسيوس أنطاكية، ذهب ليتبرّك من القدّيس سمعان العموديّ ويأخذ منه كلمة منفعة. بعد ذلك أسرع الخطى إلى أورشليم، فهداه الرّب إلى أب شيخ مبارَك يدعى لونجينوس، فأقام معه زمانًا طويلًا ثمّ انتقل إلى قلّاية صغيرة على طريق بيت لحم، وما لبث أن ذاع اسمه فأخذ الناس يقبِلون عليه ممّا ضايقه لدرجة أنّه ترك الموضع وانتقل إلى أعلى الجبل حيث استقرّ في مغارة. واختيار ثيودوسيوس لهذا المكان الجديد، كان ليتمكّن من إتمام عمل الرّهبنة. ذِكر الموت بالنسبة إلى ثيودوسيوس كان عماد الحياة النسكيّة والدافع الأقوى إلى حياة الفضيلة. لذلك جعل تلاميذه يبنون لأنفسهم قبرًا ليرى كلّ منهم إلى أين هو ذاهب وما ستؤول إليه حاله، فيُعدّ نفسه لرحلة العمر إعدادًا جيّدًا. وازداد عدد الإخوة يومًا بعد يوم، لذا بنى الإخوة كنيسة وديرًا ومستوصفًا ومضافة. بلغ عدد الرّهبان في الدير 793 راهبًا. وقد ابتنى لهم القدّيس أربع كنائس.
يُذكر أنّ القدّيس ثيودوسيوس تعيّن رئيسًا لأديرة الشركة في فلسطين وكان في ذلك الحين الإمبراطور البيزنطيّ أنسطاسيوس على هرطقة أفتيشيوس بشأن طبيعة المسيح الواحدة، وقد بعث لثيودوسيوس مبلغًا من المال مدّعيًا أنّه للفقراء والمحتاجين، فقبِل القدّيس الهديّة لئلّا يتسبّب في فضيحة، فأرسل إليه الإمبراطور يدعوه إلى إعلان إيمانه على مذهب الإمبراطور فكان جوابه حازمًا، وأرسل للملك جوابًا جاء فيه: ” لمّا كنت قد جعلتنا أمام خيارَين: إمّا أن نحيا بمذلّة من دون حرّية… أو نواجه ميتة عنيفة ولكن مشرّفة، فيما خصّ التمسّك بعقيدة الآباء القدّيسين الصحيحة، فإنّنا نقول لك إننا نفضّل الموت! ولا نقول فقط إنّنا نرغب في الحيدان عن الإيمان، بل ندين أيضًا كلّ من يشتركون معك في آرائك.. لن نتخلّى عن الأرثوذكسيّة أبدًا ولن نحيد عنها قَيد شعرة، ولا نبالي حتّى لو أضرمتَ النار في الأرض المقدّسة أو كبدّتنا المشقّات ….”
ورَد عن القدّيس ثيودوسيوس أنّه اجترح عددًا كبيرًا من العجائب محبّة بالمؤمنين. عاش القدّيس ثيودوسيوس إلى سِنّ المائة وخمس سنوات. وقد عانى من أوجاع مبرّحة طيلة سنة كاملة قبل رقاده. وأمضى فترة آلامه بصبر وشكر وتسبيح. كان يصلّي كلّ ساعة ولا يكفّ عن الإنشاد. ولمّا عرف أنّ ساعته دنَت، جمع الإخوة وحثّهم على الصبر في الملمّات إلى المنتهى وأن يخضعوا لرئيسهم. ثمّ بعد ثلاثة أيّام ودّعهم وصلّى صلاة عميقة وجعل يديه على صدره بشكل صليب وغادرهم إلى ربّه بسلام.
طروبارية القدّيس ثيودوسيوس
للبرّية غير المثمرة بمجاري دموعك أمرعتَ، وبالتنهُّدات التي من الأعماق أثمرتَ بأتعابك إلى مئة ضعفٍ، فصرت كوكبًا للمسكونة متلألئًا بالعجائب، يا أبانا البارَّ ثيودوسيوس، فتشفّع إلى المسيح الإله أن يخلّص نفوسنا.