القدّيس الشهيد فيلوثاوس الأنطاكيّ (القرن الرابع الميلاديّ)

mjoa Friday January 12, 2024 361

 all_saints وُلد فيلوثاوس لأبوَين وثنيّين. اسم والده كان فالنتيوس ووالدته ثيودوثيا. وكان هو ابنهما الوحيد. تميّز بالطاعة واللّطف والبراءة. كاتب سيرته شبّهه بيوسف الصدّيق في أرض مصر. عبَد والداه العجل وكانا من ذوي الثروة والمقام الرفيع في أوساطهما، في مدينة أنطاكية العظمى. وقد جعلا للعجل عقدًا من الذهب لعنقه وأساور لقدميه، وأقاما عليه رجُلَين يخدمانه، فكانا يقدّمان له، مرّتين في اليوم، طلمة مغمّسة بالزيت والعسل.
فيلوثاوس، من ناحيته – وكان في التاسعة أو العاشرة عندما أخذ الأمر يقلقه – كان على استقامة في ناموس الطبيعة. يتأمّل السماء والأرض وما فيهما وتميل نفسه إلى الإيمان بالإله الواحد خالقًا. فلمّا شاءه والده أن يقدّم للعجل فروض العبادة نظيرهما، لكي تطول سنو حياته، على حدّ قول أبيه، أجابه: “كيف لحيوان آكل عشب أن يصير إلهًا؟ وكيف له أن يغني الناس؟ بل أظنّ يا أبي أنّ الذي صنع السماء والأرض والبحر وكلّ ما فيها هو إيّاه وحدَه الإله الحق…”. فوبّخه أبوه قائلًا:”أنت ولد لا تعرف ما ينفعك!”. وتركه لمناسبة أخرى. في اليوم التالي، استيقظ فيلوثاوس من النوم، عند الفجر، فنظر الشمس وقد أطلّت من مَشرقها فخاطبها هكذا: “أستحلفك يا شمس بالقوّة التي تضيء كلّ الأرض فقولي لي: هل أنتِ الإله، لأنّي أرى صلاحك على كلّ الخباثة المنظورة”. فما إن تفوّه بهذا القول حتّى جاءه صوت من السماء: “لا، لستُ أنا الإله، يا فتى محبوبًا عند الله، بل خليقة خادمة الله، فإذا شئتَ أن تعرف الله، فهذه اللّيلة يظهر لك بقوّته”. وحلّ المساء وفيلوثاوس منتظر. وإذ بملاك يتراءى له قائلًا: “قم يا فيلوثاوس وعاين مجد الله الذي تبحث عنه!” فقام فيلوثاوس المغبوط ورفع عينيه فرأى الربّ يسوع المسيح، ابن الله، جالسًا على عرش عالٍ وحوله الآلاف من القوّات السماويّة. فلمّا عاين الرؤيا وقع على وجهه. فأمسك الملاك بيده وقال له: “انهض يا فيلوثاوس ولا تخف، لأنّ هذا هو الإله الحق الذي من أجله امتلأت حبًّا. كن متّضعًا وتشدّد. ومن الآن فصاعدًا، الله معك، وباسمه تصنع آيات وعجائب في حياتك. ثمّ بعد الموت تأخذ الإكليل من المسيح. وستهدي والدَيك إلى الله وبسببك يتبلبل ذيوكليسيانوس الإمبراطور الأثيم. إذ ذاك تقتبل إكليل الشهادة لأنّ الله قد باركَكَ حتّى من بطن أمّك وأعطاك اسمك فيلوثاوس الذي تفسيره المحبوب من الله. مذ ذاك أخذ فيلوثاوس في الصوم الصلاة. وكان يعطي ما تصل إليه يداه إلى الفقراء والمساكين ثمّ إنّ القديس انعصر قلبه على جهالة والديه فرفع الصلاة إلى ربّه قائلًا: “أيها الربّ يسوع المسيح، يا خالق السماء والأرض والبحر وكلّ ما فيها، لك يليق التسبيح مع أبيك والرّوح القدس، يا من تنازلتَ فظهرتَ لي، أنا المسكين البائس، أسألك متضرّعًا…ألا تحسب على أبويّ أفعالهما الشرّيرة لأنّهما جاهلان ولا يدريان ماذا يفعلان”. فلمّا انتهى فيلوثاوس من صلاته، إذ بالعجل ينقضّ بشراسة على والديه، كما لو كان شيطانًا، ويقتلهما. لكنّ الرب الإله تعطّف على الشاب وأعادهما إلى الحياة. ثمّ إنّ العائلة تخلّصت من كلّ مظاهر عبادتها وأوثانها. واعتمد الثلاثة لدى كاهن في المدينة كان مستترًا. بعد ذلك وزّع والدا فيلوثاوس أموالهما على المساكين وأَعتقا عبيدهما وأعطياهم ما يحتاجون إليه من مال ومتاع. وبعد سنتَين رقدا بسلام في الربّ. أمّا فيلوثاوس فقام عليه بعض عابدي الشيطان، ونقلوا خبره إلى ذيوكليسيانوس، فأمر بالقبض عليه وسوقه لديه. فلمّا وقف القديس الشاب في حضرة الملك ورأى ما أحاط به نفسه من مظاهر الأبّهة والمجد قال له: “لا يليق بك أيّها الإمبراطور أن تكفر بمن أسبغ عليك مجدًا هذا مقداره، أعني به إله الكون، وأن تلجأ إلى أصنام بكماء”. فردّ عليه ذيوكليسيانوس: “ولكنّ الآلهة هي التي أعطتني النصرة على أعدائي!” فقال له فيلوثاوس: “ليست الأصنام التي نصرتك كما تظنّ. الأصنام تثير عليك الحروب!” فأجاب ذيوكليسيانوس مستهجنًا: “كيف لا تخجل يا هذا، وتحتقر آلهتي؟” فأجاب فيلوثاوس: “إنّ من تدعوهم آلهة لا يستحقّون الإكرام بل الاحتقار والازدراء لأنّهم بطّالون كذبة، لا أصالة فيهم. والذين لم يخلقوا السماء والأرض يبيدون”. فقال له ذيوكليسيانوس:”تخلّ عن موقفك وقدّم الذبيحة لأبولون، الإله العظيم، فأكرِمك وأعظّم اسمك!” فردّ المغبوط بحدّة: “حاشا لي أن أكفر بإلهي، خالق السماء والأرض، وأنحني أمام تماثيل أصنام من صنع أيدي البشر”. وأمر الإمبراطور بإحضار تمثال من الذهب. فأتى به، فحاول إرغام فيلوثاوس على السجود له: “هيا قدّم العبادة لأبولون الإله العظيم لئلّا تجلب الشرّ على نفسك”. فهتف فيلوثاوس بالتمثال فهوى وتدحرج على الأرض، ثمّ صلّى هكذا: “أيها الربّ يسوع المسيح ابن الله الحي، يا من ذكر خادمه إيليا بالنار، اذكرني أنا أيضًا في هذا اليوم، وأنزل نارًا من السماء لتلتهم هذه الأصنام لكي يؤمن هذا الشعب المجتمع لشهادتي!”. ولمّا قال هذا، إذ بنار تهبط من السماء وتأكل الأصنام. فلمّا عاين الجند الآية هتفوا قائلين: “بالحقيقة، عظيم هو إله فيلوثاوس!”. وأعلنوا كلّهم إيمانهم بالمسيح وحدثت بلبلة في حضرة الملك، لكنّه ما لبث أن استردّ زمام الأمر، فسيق الجنود المؤمنون إلى الموت بقطع الهامة. أمّا فيلوثاوس فجُلد وعُذّب وسُجن. لكنّ ملاكًا من عند الرّب أتاه مشدِّدًا. ثمّ إن الجلّادين قطعوا لسان فيلوثاوس وفقأوا عينيه وقطعوا أوصاله. أخيرًا طعنوه بالحراب، فأسلَم الروح. فجاءت الملائكة وأخذت روحه إلى السماء في مجد عظيم، وكل الذين حضروا رأوا الملائكة بأمّ العين يحملونه إلى هناك. ولمّا شاء الجلّادون أن يحرقوا جسده. تعطّلت النار وأضحت بلا قوّة على الإحراق.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share