تذكار القدّيس البارّ مرتنيانوس الفلسطينيّ

mjoa Tuesday February 13, 2024 193

اقتبل مرتنيانوس الحياة النسكيّة في سِنّ الثامنة عشرة في مكان يُقال له “محلّة القوس” انتشر فيه النسّاك. وعلى مدى خمس وعشرين سنة سلَكَ في الفضيلة بهمّة وجدّ كبيرَين حتّى قيل أنّ الربّ الإله مَنّ عليه بموهبة صُنع العجائب. كان مرتنيانوس، وسيمَ الطلعة ترغب به النساء، وكان يستقبل الناس ويصلّي عليهم، فخطر ببال امرأة هوى مغتّرة بنفسها أن تزور القدّيس وتُغريه. وصلَت إليه وقد جعل المطر ثيابها رثّة والمطر يسحّ منها فطلبت منه أن يحميها. قبِلها القدّيس لديه وتركها إلى قلّاية داخلية لتستدفىء واستغرق في صلاته وتلاوة مزاميره. فلبست المرأة الغوى فاجتاحته التجربة وتحرّكت لها أحشاؤه حتّى قبلها ومالَ إليها لا سيّما للكلام المخدّر الذي سمعه منها. وإذ خطر بباله قفَز إلى خارج القلّاية ليتأكّد من خلوّ الساحة لديه. اخترقت قلبه رأفة الله بهيئة صورة للهاوية التي هو مزمع أن يُلقي بنفسه فيها فانصدم وارتدّ تائبًا. وللحال جمع حطبًا وأشعل النّار ووطئها حافيَ القدَمين وإذ احترقت قدماه وعظم ألمه وأخذ يعول بدموع سخيّة فبلغ صوته أذنَي المرأة، فخرجت تستطلع أمره فألفَته في أسوأ حال، فأرهَبها المشهد وبانت لها فعلتها في منتهى العبث، وإذ اضطربت أعماقها تابت إلى ربّها وأخذت تتوسّل للقدّيس أن يسامِحها ويعينها إن كان لها خلاص. بعَثَ بها إلى دير القدّيسة باولا في بيت لحم حيث سلكت في توبة صدوق اثنتي عشرة سنة إلى أن تكمّلت بالقداسة. أمّا رجل الله فاحتاج إلى سبعة أشهر ليستردّ عافيته ثمّ غادر مكانه. وهامَ على وجهه، وبلغَ شاطىء البحر، فأخذه رجل رضيّ إلى صخرة كبيرة في عرض البحر، يتعذّر الوصول إليها، على أن يأتيه كلّ بضعة أشهر ببعض الماء والطعام والخوص لشغل السلال. فقبع مرتنيانوس على تلك الصخرة عشر سنوات، ثمّ حلّت ساعة التجربة من جديد، وذلك حين انكسرت سفينة قربه وبقيت صبيّة رأته فاستغاثت به، فأتى إليها وأعانها حتّى أخرجها. وما أن استردّت أنفاسها قليلًا حتّى قال لها أنّه لا يستطيع أن يبقى في مكانه معها. أمّا هي فلتبقَ إلى أن يأتي صديقه، صاحب المركب، وهو يعينها إلى بلدها. وإذ أسلمها ما لديه من طعام وشراب استودعها الله وألقى بنفسه في المياه كبَينَ يدَي الله الحيّ، فإذا بدلفين ينقله على ظهره إلى الشاطىء أمّا الفتاة فلكي تؤدّي الشكر لله فإنّها آثرت قضاء بقية أيّام حياتها ناسكة على الصخرة. وقد ورد أنّها استمرّت كذلك سنين إلى أن رقدت بالربّ واسمها فوتين وأنّ صاحب المركب وزوجته هما اللّذان أخذاها، بعدما رقدت، ووارياها الثرى.
أمّا مرتنيانوس فشكر الله جزيلًا على حسن رعايته وقرّر، مذ ذاك، أن يسوح ولا يقيم في مكان إلّا عبورًا. وقد ورد أنّه مرّ بما يزيد على المائة مدينة في غضون سنتين إلى أن وصل إلى آثينا حيث رقد. ويبدو أنّه كان لقدّيسنا إكرام جزيل في الشرق، لا سيّما في القسطنطينية، في كنيسة بقرب آجيا صوفيا.

طروبارية القدّيس مرتنيانوس
بهطلِ الدموع المنسكبة، أطفأتَ لهيبَ التجارب أيُّها المغبوط. ولمّا سكَّنتَ أمواج البحر، وألجمتَ جماح الوحوش هتفتَ صارخًا: مُمجَّدٌ أنتَ أيها الكلِّيُّ الاقتدار، يا من نجَّيتني من النار ومن العاصف.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share