وُلد في رومية وانضمّ إلى مصافّ الإكليروس في وقت مبكّر، وعندما صار رئيس شمامسة كنيسة رومية، أُتيح له الخوض في القضايا الكنسيّة المطروحة في زمانه. وسلَكَ لاون الكبير كبيرًا من أوّل السلَّم، وثمّة ما يشير إلى أنّ تأثيره كان واضحًا على سيكستس الثالث، أسقف رومية السابق له، وفي الشؤون الكنسيّة بعامة، وكذا في العلاقات الدبلوماسيّة. و قد جرى انتخابه أسقفًا على رومية حين كان في مهمّة دبلوماسية في فرنسا.
ثلاثة ميّزت سيرته بعامة واستمرّت بعد تبوّئه السُّدة الأولى في كنيسة رومية: حِرصه على دحض الهرطقات، وسعيُه إلى توطيد السلام والنظام في كنيسة المسيح، وانتهاجه سبيل الوساطة في التعاطي مع المتخاصمين.
تحدّيات جمّة واجهته، في مستوى المتغّيرات العسكريّة والسياسية ، وفي مستوى الهرطقات، وفي مستوى الوثنيّات الشائعة في فكر العباد وأخلاقهم وممارساتهم، وفي مستوى النظام الكنسيّ والحياة الرهبانيّة وفي مستوى الرعاية والعلاقة بكنيسة الشرق. وقد نجح هذا الحبر الفذّ في الجمع بين الصّرامة والرأفة .
أوّل ما سعى إليه كان التجديد الإكليركيّ وتوطيد النظام في كنائس إفريقية وصقلية بعد هجمات قبائل الفندال. ودعم أسقف سالونيك، كما حال دون انفصال كنيسة الغال. وتصدّى لعبث المانويّة والبيلاجيّة، واهتمّ بالنظام الطقوسيّ ورعى الشعب والكهنة بالوعظ والتعليم والمثال الطيّب. وأولى بناء الكنائس وتزيينها وتشييد المضافات أهميّة بيّنة. وإليه تعود الرّساله التي كان لها أكبر الأثر على المجمع المسكونيّ الرّابع المنعقد في خلقيدونية سنة 451 م، فبعد قراءة الرّسالة على آباء المجمع الخليقدونيّ هتفوا: هذا هو إيمان الآباء، هذا هو إيمان الرّسل. هكذا كلّنا نؤمن وهكذا يؤمن المستقيمو الرّأي. فليكن كلّ من لا يؤمن هكذا مبسّلًا. إن بطرس يتكلّم بفم لاون. هكذا علّم الرّسل.
وحين اجتاحت قبائل الهانس كلًّا من ألمانيا وبلاد الغال مخلّفة الموت والدمار وأخذت تهدّد رومية، اتّجهت أنظار الإمبراطور الروميّ إلى لاون، علّه يخرج في مهمّة وساطة سلاميّة لدى الغازي البربريّ فيتحوّل عن المدينة. واستجاب أسقف الغرب الأوّل. وخرج في موكب مهيب، فقابله أتيلا بوقار لا مبرّر له واكتفى بفرض جزية ماليّة على رومية. هكذا بدا لأهل المدينة عبرالأجيال أنّهم خلصوا بصورة عجائبية من هلاك محتّم. وبعد أن عمل على توفير الحسنات والكهنة لخدمة الغزاة الذين عملوا على الفتك بالسكّان وإحراق المباني وكان قد أقنعهم بالعفّ عن عملهم.
انصرف لاون إلى الرّعاية، فعزّى الملهوفين واحتضنهم وجمَعَ شملهم ورمّم الكنائس المنكوبة وعمل على استعادة المدينة والحياة الكنسيّة. وقد استمرّ إلى نهاية حياته يرعى ويعمل على ضبط النظام في كنيسة المسيح ويحفظ الإيمان القويم إلى أن رقد بالربّ سنة 461 م . يُذكر أنّه بقيَت لنا من القدّيس لاون مئة وثلاث وأربعون رسالة وسبع وتسعون عظة ونصوص شتّى بينها نصوص ليتورجيّة.
طروبارية القدّيس لاون
لقد أظهرتك أفعال الحقّ لرعيّتك قانونًا للإيمان وصورة للوداعة ومعلّمًا للإمساك، أيها الأب رئيس الكهنة لاون، فلذلك أحرزتَ بالتواضع الرّفعة وبالمسكنة الغنى، فتشفّع إلى المسيح الإله، أن يخلّص نفوسنا.