تسقّف القدّيس هيباتيوس في غنغرة، في مقاطعة بافلاغونيا، في الجزء الشمالي من آسيا الصغرى. وقد شارك في المَجمع المسكونيّ الأوّل في نيقية، وإنّ عددًا من الهراطقة ارتدّ إلى الإيمان القويم بفضل تعليمِه وكتاباته المُلهمة. عمَله الرعائيّ كان شاملًا حتّى إنه شيّد كنائس في كافة أرجاء أبرشيّته وجعل عليها كهنة أعدّهم بنفسه. كما بنى، في مدينته، مضافات ومؤسّسات إنسانيّة ترى إلى حاجات الفقراء. شبّهوه، لنمَط حياته، بالقدّيس يوحنّا المعمدان. وكان أيضًا يسلك في الهدوئيّة ويعتزل في مغارة ليصلّي أو يتأمّل في الكتب المقدّسة. وشرح سفر الأمثال إلى إحدى تلميذاته النبيلات، وهذه نفَذَ كلامه إلى قلبها حتّى مالت إلى البذل، فوهبت ثروتها الطائلة للكنيسة مساهمة في الأعمال الإنسانيّة التي باشرتها.
ذاعت شهرته كصانع عجائب وبلغت أُذنَي الإمبراطور البيزنطيّ قسطنديوس، فطلب منه أن يخلّصه من تنّين مروّع. فصلّى القدّيس ووقف بإزاء الوحش وأنفَذَ فيه عصاه التي كان يعلوها صليب. وشعورًا منه بالامتنان، حفر قسطنديوس رسم القدّيس على مبنى الخزينة وأعفى غنغرة من الضرائب السنويّة التي كانت ترهق الفقراء وتسحقهم. غير أنّ ما جرى لم يحمل القيصر على نبذ الأريوسيّة التي احتضنها. إثر عودته إلى غنغرة، نَصَب بعض الهراطقة المنشقّين للقدّيس كمينًا، فلمّا دنا منهم وقعوا عليه بالحجارة والعصيّ والسيوف. وإنّ امرأة زأرت عليه وعاجلته بضربة حجَر على رأسه أودَت به. فتفوّه بكلمات قليلة قبل مفارقته: “يا ربّ لا تُقم لهم هذه الخطيئة”. وإذ خشيَ المهاجمون أن يُفتضح أمرهم واروا الجسد في كومة تِبن وفرّوا. وبعد حين جاء إلى هناك مالك الحقل ليتزوّد بالتِّبن لبهائمه فسمع جوقًا ملائكيًّا، وعاين نورًا إلهيًّا فوق الموضع حيث كان الجسد. وإذ سرى الخبر حضر أهل غنغرة ونقلوا أباهم بحزن وإكرام عظيمَيْن ودفنوه. وقد أضحى ضريحه منبعًا للعجائب لسنين طويلة. أمّا المرأة التي تسببّت في موت القدّيس فقد استبدّ بها شيطان، لكنّها ما لبثت أن استردّت العافية إتمامًا لطلبة القديس ساعة موته: ” يا ربّ لا تُقم لهم هذه الخطيئة”.