أكثر ما ورد، ذكرهما في السنكسارات الملكيّة الإنطاكيّة. وقد أخذنا سيرتهما عن المخطوط السينائيّ العربيّ العائد إلى العام 1237م.
1- القدّيس ثيودوروس هو ابن أبوَين مؤمنَين شريفَين نقيًّين، سمعان ومريم. رُزقا من الزّواج أنثى ثمّ مَنع عنهما الربّ ثمرة البطن. اشتهيا أن يكون لهما صبيّ أيضًا فلم يُرزقا. صارا لا يفارقان الكنيسة سنين طويلة مكثِرين من الصوم والتقشّف والصلاة ناذرين الصبيّ إلى الربّ الإله إن هو مَنّ به عليهما. فلمّا حان ميقات إنصافهما، وكان السبت الأوّل من الصوم الكبير حبلت مريم فحفظت نفسها حفظ الأواني المقدّسة الإلهيّة. ولمّا آنت ولادتها أنجبت ذكرًا. وعند الأربعين أتيا به إلى الهيكل. ولمّا أكمل الأربعين عمّداه وسمّاه ثيودوروس، ثمّ في الخامسة سلّمه أبواه للمعلّمين ليتلقّن الكتب المقدّسة.
بان الصبيّ بليد القلب، غير قابل للعلم، وصار عرضة بعد حين، للهزء والضرب. خطر بباله وهو في السابعة أن يختبىء تحت مائدة المذبح. فلمّا كان القدّاس الإلهيّ، غفا، وإذ به ينظر صبيًّا يلمع كالشمس ويلقّمه شهدًا ويصف له السيرة الرهبانيّة ويناوله عصا الصليب والكهنوت الإلهيّة، فاشتعل قلبه وفطن إلى أنّ الظاهر له هو ابن الله الوحيد فسجد وتبرّك، وللوقت استيقظ من نومه. وإذ أراد أن يخرج من تحت المائدة دونما حرج، ولمّا ينتهي القدّاس الإلهيّ، لاحظه الأسقف فتعجّب، وبعدما عرف بحاله مجّد الله، وجعله شمّاسًا صغيرًا. من تلك الساعة انسكبت النعمة على الصبي فاستنار قلبه وتفتح ذهنه وصار قابلاً للعلوم كلّها.
فقَد ثيودوروس والديه وهو بعد في التاسعة، فأثّر فيه المصاب تأثيرًا كبيرًا فزهد في العيشة ونزل إلى لافرا القدّيس سابا حيث طلب من الأنبا يوحنّا، رئيس الدير، أن يرهبنه، فامتحنه ستّة أشهر. ولمّا بانت له جودته، صلّى عليه وقصّ شعره وألبسه الإسكيم الرهبانيّ. وقد فاق أقرانه في الجهاد واقتنى العفّة الجليلة والدموع الغزيرة والسيرة الوديعة حتّى أضحى كفؤًا لكلّ خدمة.
انصرف بعد ذلك إلى ربّه، وانصرف إلى السكون سائحًا في براري الأردن حتّى صار شبيهًا بالملائكة. لم يقتنِ من ملذّات العالم شيئًا ولا ثوبَين ولا عصا. كان منظرًا للملائكة والبشر. يصوم أيّامًا كثيرة. وقد كانت له من الله عطيّة صالحة، فصار له تلاميذ كثيرون وكانوا يأتونه من كلّ صوب وينتفعون من روح الربّ الساكن فيه. اتّفق أن التقى بطريرك أنطاكية ببطريرك أورشليم في المدينة المقدّسة وقد حضر قوم من الرّها ليطلبوا من البطريرك بديلاً عن أسقفهم الرّاقد، فاستقرّ الرأي على إيفاد ثيودوروس أسقفًا، فلمّا علم البارّ بالأمر، حاول التملّص منه فلم يوفَّق. وفي الطريق إلى الرّها حاول الهرب سرًّا لكنّ الربّ منعه من خلال صوتٍ سمعه يطلب إليه أن يهتمّ بالقطيع الذي هناك.
في الرّها لاحظ كثُر الهراطقة، فوعظ الشعب بالمحافظة على الإيمان القويم قارنًا الغيرة بالعلم والبلاغة. وكان مقنعًا في كلامه لدرجة أنّه استطاع أن يهدي ملك بغداد بالمسيحيّة، وكتب له دستور الإيمان في اللغة العربيّة كما كتب له أيضًا بعض الصلوات الأخرى. وفي آخر أيام القدّيس ذهب إلى أورشليم وتبرّك فيها ونزل في لافرا القدّيس سابا ففرح به الآباء ودفعوا إليه القلاّية التي كان فيها قديمًا. وبعد عشرين يومًا مرض مرضًا يسيرًا فاجتمع إليه الآباء وطلبوا بركة صلاته فصلّى عليهم وباركهم وسألهم أن يباركوه ويصلّوا عليه ويناولوه جسد المسيح ودمه الكريم. ولمّا تناول أسلم روحه وكان ذلك في التاسع عشر من شهر تمّوز.
2- القدّيس ميخائيل كان شابًا في سِنّه عندما ترك الرها ومرّ بأورشليم فتبرّك ثمّ نزل إلى لافرا القدّيس سابا وطلب من القدّيس ثيودوروس أن يُلبسه الإسكيم الرهبانيّ فلم يلبّه بل وعظه وأراد صرفه إلى دياره. أمّا ميخائيل فتمسّك بعزمه وتوسّل إلى رئيس الدير وأكابر الرّهبان أن يتوسّطوا لدى البارّ، ففعلوا وألحّوا حتّى أجابهم إلى سؤلهم، وصلّى عليه ورهبنه. في تلك الأيام اتّفق أنّ ملك فارس ساد على أورشليم وسار من بلده ومعه زوجته بجيش عظيم وجاء إلى بيت المقدس. في ذلك الحين أرسل ثيودوروس تلميذه ميخائيل إلى مدينة أورشليم ليبيع ما صنعتاه يديهما كالعادة، فالتقى في السوق بخدّام الملكة الذين طلبوا إليه أن يذهب إلى الملكة لتشتري منه كلّ البضائع، فاستحلته الملكة وأرادته لها لكنّه أبى ذلك ولمّا رفض الخضوع لها اشتكته للملك الذي عرف بأنّه بريء ولكن لأجل الملكة أراد معاقبته. وعندما حاول أن يستوضح الأمر، أُعجب بردّه وعمل على استمالته إلى الدين الإسلاميّ مقدّمًا له المغريات السياسيّة غير أنّ القدّيس ميخائيل رفض نكران إيمانه وفضّل الموت على اعتناق الإسلام، ولمّا علا صوت المسلمين مطالبين بقتله صدر الأمر بقطع عنقه وهكذا مجّد الله بموته.