نحن والمراهقون

mjoa Saturday October 18, 2008 272

 

يعاني الطفل أزمات نمو أساسية ثلاث ثم يبلغ خلال الطفولة الثالثة التي تمتد بين السن السابعة والسن العاشرة اتزاناً مستقراً ومتناسقاً. ويتمتع بين العاشرة والثانية عشرة بشخصية صغيرة نامية بانسجام ومتكيفة مع الوسط الطبيعي والإجتماعي المحيط بها، حتى أن هذا الوضع يسعد المربين ويبعث في نفوسهم الإرتياح.
بيد أن هذا الوقوف الظاهري في النمو ليس إلا وقفة قصيرة الأمد، فكأن طبيعة الطفل تتجمع وتتأهب للقفزة الأخيرة، هذه القفزة الجذرية الهائلة التي تفوق في صفاتها هذه أية مرحلة من مراحل النمو منذ الولادة. انها المراهقة تبتدئ، “ولادة ثانية” يبرز منها المراهق إلى حيز الوجود.

.

سوف نسعى في الأسطر التالية لبيان الصفات المميزة لهذه المرحلة الصاخبة التي تمتد بين السن الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة وبين الثامنة عشرة حتى العشرين والتي تظهر بشائرها في فترة تحضيرية هي الفترة السابقة مباشرة للبلوغ.

الصفات المميزة للمراهقة
المراهقة سن حيرة يتردد المرء خلالها بين ما كان وما هو مزمع أن يكون، بين طفل الأمس ورجل الغد. فيأخذ الجسد بالتحول وتنمسح ملامح الطفل تاركة مكانها سيماء رجل وسيماء امرأة. وتعاني النفس أيضاً تحولاً ذا أهمية كبرى إذ تنضج وتتبين من خلال روح الطفل روح الرجل الراشد.

ولا عجب إذا وجدنا ان سن الحيرة هذه هي سن أزمات أيضاً، نرى الفتى خلالها مضطرباًُ يتوق إلى اتزان مقبل لن يتم في الواقع الا فيما بعد. وبانتظار هذا الإستقرار تهز الفتى قوى كبيرة تعمل فيه بالروح والجسد.

يأخذ الفتى تحت تأثير عمل الهرمونات المتزايد، في النمو بشدة، أولاً باتجاه الطول ومن ثم عرضاً وعمقاً، وتنضج الوظيفة التناسلية في غاية فترة هي فترة البلوغ وتبدأ الهرمونات الجنسية بالتأثير في الجسم عامة وعلى الجهاز العصبي بصورة خاصة، أما في النفس فان نزوات عنيفة حديثة العهد وذات شدة غير مألوفة حتى الآن تنوي تحطيم الاتزان السابق الذي كان قائماً بين الطفل وذاته وبينه وبين بيئته الإجتماعية.

وكما يتوقع المرء، تورث هذه الأزمة العنيفة اضطرابات وآلاماً جمة. وهذا ما يبرر تسمية سن المراهقة في مستهلها بسن الغلظة  Age de disgràceوتتناول هذه الصفة الجسد والنفس معًا. أما الجسد فيكون عديم التناسق بسبب النمو السريع المتزايد، وأما النفس فيعتريها التشويش بسبب ما يشعر به الطفل من أن كل شيء في داخله ينحل ويتفكك.

نستطيع أن ندرك هكذا كيف تكون هذه السن سن قلق، كما يشير إلى ذلك أغسطينوس المغبوط في “اعترافاته” حين يتكلم عن “مراهقته القلقة”. فان الطفل أصبح سراً حياً أمام نفسه وأمام محيطه وهو يتألم لعدم تفهم الآخرين له ولكونه عاجزاً عن فهم نفسه أيضاً. ثم أن المراهق يشعر في قرارة نفسه برغبات غامضة توجه له نداءات قوية وخفية. وداعاً إذا أيتها الطفولة الوديعة الآمنة. ها هو منذ الآن يحل مكانك الجزع والقلق بنتيجة زوال ما كان عليه المرء وولادة الكائن الجديد.

المراهقة أيضاً هي السن التي يتم فيها اكتشاف “الأنا” وتكوّن الشخصية. ويلاحظ أن هذه الشخصية ترسم خطوطها الأولى خلال فترة الطفولة الثانية الممتدة بين السن الثالثة والسن السابعة. وأن سن المراهقة تأتي فتؤكد هذه الخطوط وتوضحها. وتوجه التحولات الطبيعية الحادثة في جسم المراهق انتباهه نحو جسده، فيولي هندامه عناية خاصة ويبتغي التأنق. كما تستيقظ فيه من جهة ثانية حياة داخلية مختلجة يلاقي في الإنغماس فيها لذة ممتعة ممزوجة بالقلق. وتتملّكه هذه الحياة بكلّيته حتى انها لتقطعه إلى حد ما عن العالم الخارجي. وهذا الوضع هو ما يسمى “بالإنطوائية” التي تعني الإنقطاع عن المحيط الخارجي والإنطواء على الذات.

 
ولنلاحظ جيداً أنه لئن كان المراهق يستطيع اكتشاف “الأنا” بهذه القوة ويقوى على الإنفراد بها بتلك الرغبة القوية، فانه، خلافاً للطفل الذي ينهمك بكل لحظة من لحظات وجوده المتتابعة، قادر على أن يزدوج بشعوره فيتأمل ذاته في خلوته بنفسه. انه قادر بالتالي على المسير صعوداً في مجال الزمن نحو الماضي المغرب وعلى الشعور بوحدة ذاته في الديمومة.

 
إلا أن هذا الإنطواء على الذات هو بعيد في الواقع عن الإنفصام  (Autisme)الذي يظهر في بعض الحالات المرضية التي ينقطع فيها المريض عن العالم الخارجي فينطوي على أفكاره الخاصة يجترها ويتأمل فيها دون انقطاع. ولئن كان المراهق يعتني بحياته الخفية القائمة في ذاته بمحبة وعذاب، فانه يعي بالمقابل الأوضاع الإجتماعية ويشعر بضرورة ملحّة لتثبيت شخصيته في المحيط الذي يعيش فيه. ولكن هذا التثبيت بالنسبة لشخصية في طريق التكون هو في الواقع أخذ وضع سلبي ومناهض، فتكون المراهقة هكذا سن المعارضة أيضًا.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share