وُلد القدّيس إيسيدورس الفرميّ في مدينة الإسكندريّة، قرابة العام 360 م. وهو نسيب البطريرك ثيوفيلوس وابن أخته القدّيس كيرللس الإسكندريَّين. تلقّى تعليمًا ممتازًا في الإلهيّات والفلسفة وذاعَ صيته لتقواه ومعرفته العميقة للكتاب المقدّس. عزمَ أهل البلاد والأساقفة على تقدمته بطريركًا للكرسيّ المرقسيّ في الإسكندرية، فهرب ليلًا إلى جبل الفرما وترهّب في دير هناك، وأورد قوم أنّه صار رئيسًا للرّهبان في ناحيته. دعاه القدامى “كاهنًا صحيح الإيمان، ممتلئًا حكمة إلهيّة ومعرفة كتابيّة”. وقيل عن إيسيدورس أنّه اتّخذ القدّيس يوحنّا الذهبي الفم نموذجًا له، وكان يكنّ له تقديرًا كبيرًا كأسقف وواعظ.
ويتبيّن من رسائل القدّيس إيسيدورس أنّه صاحب شخصيّة فذّة. وثقافته العامّة واسعة وهو يعتبر أنّ لكلّ أصناف العلوم قيمة عظيمة إذا كانت تمجِّد الحقيقة الإلهيّة. على المسيحيّ في نظره أن يكون كالنّحلة يستخرج الغذاء حتّى من كتابات الفلاسفة الوثنيّين. ديموستينوس وأفلاطون وأرسطو وهوميروس هم المفضَّلون لديه بين الفلاسفة، واستشهاده ببعضهم كديموستينوس كثيف. لم يكن يتورّع عن توجيه اللّوم إلى كبار المسؤولين حتّى للإمبراطور نفسه وكذلك للأساقفة والبطاركة محذِّرًا ومرشدًا وناصحًا. لا نعرف عدد رسائله وإن كان عدد ما وصلنا منها ألفَين واثنتي عشرة. وميزتها، بعامّة، أنّها مقتضَبة، ذات أسلوب سلِس، أنيقة، ممتِعة، ممتلئة نارًا إلهيّة. تنفَذ إلى العقل والقلب بيُسر. أكثر رسائله يعالج موضوعات كتابيّة، ويرفض الادّعاء المبالغ فيه أنّ صوَر المسيح هي عبر كلّ العهد العتيق. هذا كفيل في نظره بحمل الوثنيّين والهراطقة على الشكّ في المقاطع الكتابيّة المسيحانيّة الحقّانية. ويتناول في رسائله أبسط القواعد الأخلاقيّة ويمتدّ إلى أسمى مبادىء الكمال الإنجيليّ. كلُّها تشهد لعمق حكمته واستقامته. ملكوت السماوات عنده قائم على أساس الفقر الطوعيّ والإمساك شرط أن تكون الطاعة للوصايا كاملة وأن تكون الفضائل موضع ممارسة. وجّه قديسنا ثمانية من رسائله إلى القدّيس كيرلّلس الإسكندريّ. في بعضها يدعوه إلى التمسّك بالإيمان القويم إلى آخر نقطة. وفي بعضها يأخذ عليه تصرّفه في مجمع أفسس. رقَد القدّيس إيسيدورس في الربّ في العام 435 م وقيل في العام 449 م.
طروبارية القدّيس إيسيدورس
بكَ حُفظت الصورةُ باحتراسٍ وثيق، أيها الأب إيسيدورس، لأنّكَ قد حملتَ الصليب فتبعتَ المسيح، وعمِلتَ وعَلَّمتَ أن يُتغاضى عن الجسد لأنّه يزول، ويُهتمَّ بأمور النفس غير المائتة. فلذلك أيّها البار تبتهج روحُك مع الملائكة.