عاش هذا القدّيس في زمن الإمبراطور قسطنطين الكبير (+337 م)، وهو ابن شمّاس في مليتوبوليس البنطيّة اسمه خريستوذولوس. احترف صيد السمك ولم يتعلّم سوى ما كان يلتقطه في الكنيسة من قراءات الكتاب المقدّس، لكنّه اهتمّ بالسلوك بحسب الكلمة التي اعتاد سماعها. لذا برز كرجل فاضل، يُحكى عنه، في هذا الإطار، أنّه كان يبيع ما يصطاده من السمك ويوزّعه على الفقراء دون أن يُبقي لنفسه شيئًا. محبّته لافتة وتناقلت أخبارها الألسن حتّى بلغت أذني فيليتس، أسقف مليتوبوليس، الذي استدعاه وسامَه كاهنًا رغم تمنّعه. المهمّة التي أوكل بها الأسقف إلى برثانيوس كانت استفقاد المؤمنين في الأبرشيّة. وقد أثمرت جهود الكاهن الشاب حسنًا حتّى جرت نعمة الرّوح القدس على يديه آيات وأشفية سخيّة. مثل ذلك أنّه التقى رجلًا، مرّة، وقد انقلعت عينه من نطحة ثور فأعادها القدّيس، بنعمة الله، إلى موضعها سالمة. مرّة أخرى شفى من السرطان برسم إشارة الصليب. ومرّة انقضّ عليه كلب مسعور فردّه بنفخة فمه.
إزاء علامات النعمة البادية على القدّيس، جعله متروبوليت كيزكوس أسقفًا على مدينة لمبساكة الغارقة في الوثنيّة، فلم يمضِ وقت طويل على تسلّمه مهامه الجديدة حتّى تمكّن من هداية المدينة برمّتها. كيف لا وكلّ عناصر النجاح كانت موفورة لديه! صام وصّلى ولقّن الكلمة وسلك وفق ما تمليه بثبات وثقة وإصرار. وإذ رغب في دكّ الهياكل الوثنيّة في المدينة، استحصل على إذن بذلك من قسطنطين الملك بالذات، ومنه أيضًا حظيَ بأموال لبناء كنيسة. فلمّا انتهى البناء جيء بحجر كبير للمذبح. وإنّ إبليس الحسود الذي ألفى نفسه مغلوبًا ولم يعد يستطيع شيئًا ضدّ عبيد الله، حرّك الثيران التي كانت تنقل الحجر فجفلت واندفعت خارج خطّ سيرها فاضطرب توازن السائس وسقط أرضًا فداسته عجلات العربة وسحقته. للحال رفع قدّيس الله صلاة إلى الربّ الإله فعاد الضحّية حيًّا يُرزق.
أضحى برثانيوس لمدينة لمبساكة أبًا يعتني به بعناية الله. كان قادرًا، بنعمة ربّه، على شفاء كلّ الأمراض، حتّى لم تعد للأطبّاء في المدينة حاجة. وكما يتبدّد الظلام من تدفّق النور، كذلك كانت الأبالسة تفرّ من أمام رجل الله. مرّة قيل إنّه أخرج شيطانًا من أحد المساكين فتوسّل إليه الشيطان أن يرسله إلى موضع آخر، أو أقّله إلى الخنازير. فأجابه القدّيس لا أسمح لك باسم يسوع إلّا أن تقيم في رجل واحد. فقال: ومَن يكون؟ فأجابه: أنا، تعال واسكن فيّ! للحال خاب الشيطان وهرب كمِن النار! كيف يقيم في هيكل الله؟!
مرّة، جاء برثانيوس إلى هرقلية، عاصمة تراقيا، فوجد أسقفها هيباسيانوس مريضًا مرضًا عضالًا. وإذ كشف الرّوح لقدّيس الله علّة الرجل أنّها من بخله، قال له: قم لا تخف! ليس مرضك جسديًّا بل روحيًّا. رُدّ للفقراء ما حبَسته عنهم تُشفَ. في تلك اللّحظة فتح الرّوح أذن الأسقف الداخليّة فعاد إلى نفسه وعرف علّة قلبه فلمّا فتح خزائنه للفقراء عادت إليه صحّته بعد ثلاثة أيّام. في هرقلية أيضًا، أبرأ قدّيس الله العديد من المرضى وبارك الحقول وأخبر بمقدار المحاصيل. ولمّا شاء أن يغادر المدينة أطلع الأسقف على موته العتيد وسمّى من سيكون خلفه. فلمّا عاد إلى لمبساكة، رقد بالرب كما أنبأ.
الطروبارية
يا إله آبائنا الصانع معنا دائماً بحسب وداعتك لاتبعد عنّا رحمتك بل بتوسّلاتهم دبّر بالسلامة حياتنا.