تأملات في التجلي – المطران بولس (بندلي)
يوم الخميس الماضي عيّدت الكنيسة المقدسة لتجلي ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح على جبل ثابور، هذا العيد هو محطة نورانية قبل آلام السيد ويلفتنا بنوع خاص الى أمرين:
الأمر الأول انه عيد للنور الذي أتانا نحن البشر وافتقد ظلمتنا الدامسة التي نكاد نهلك فيها، ظلمة خطايانا التي نتخبط فيها. وهذا النور الذي أشع به وجه الرب يسوع المسيح النور من النور هو الذي وعدنا به انه يمنحنا ايّاه فنصبح متلألئين كالشموس وليست الشموس الكوكبية التي ترافق كوننا المادي ولكنها الشموس الالهية التي يغيب ضوءها -لنتصور كيف أن وجهنا البشري المعتم لبسه الهنا المتنازل الينا من أجل تحننه فجعله يسطع ضياء ثابتاً الى الأبد لأنه ليس من صنع هذا العالم الزائل.
الأمر الثاني هو أن الوجه البشري الذي أصبح بسبب تشويه الخطيئة له لا صورة له ولا منظر فحمَلَه الاله الكلي الجمال، وبصليب قبِل أن يشوّه وجهه عليه، كرجل الأوجاع الذي يصفه أشعياء النبي، أعاد هكذا الى وجهنا البشري صورة الجمال القديم.
الا نقول للسيد في قنداق هذا العيد: “تجليت أيها المسيح الاله في الجبل وحسبما وسع تلاميذك شاهدوا مجدك حتى اذا عاينوك مصلوباً يفطنوا أن آلامك طوعاً باختيارك ويكرزوا للعالم بأنك أنت بالحقيقة شعاع الآب” متذكرين أن التلاميذ لم يكونوا قادرين أن يشاهدوا المجد الالهي لأنه كما قيل قديماً لموسى وبعده لإيليا (الظاهرين مع الرب يسوع في التجلي) لم يكن ممكناً لبشر أن يعاينوا الله ولكن نعمة الله أهلت التلاميذ الثلاثة بطرس ويعقوب ويوحنا أن يروا مجده في يسوع المسيح الاله المتجسد، مكنتهم على قدر ما يستطيع بشر مثلهم أن يتمتعوا بالرؤية الالهية المحجوبة عنهم قديماً، فرأوها في من تنازل من علياء سمائهم فحَمَلَ بشرتهم لكي يتمكنوا أن يتمتعوا ولو بشكل باهت بمجد ألوهته.
واذ يتابعون معه المسيرة ويصلون هم بأنفسهم الى رؤية معاناة آلامه الخلاصية سوف يدعون أن يعوا أن الآلام هي “طوعاً باختياره” وسوف ينقلهم من هو “شعاع الآب” الى المجد الالهي ويتمتعون به كلياً في أنوار القيامة المجيدة.
هذا هو العيد الالهي النوراني الذي عيّدنا له -نسأل الله أن يؤهلنا أن نبقى دائماً معاينين له في أعماق قلوبنا الملتهبة بنور محبته الالهية. آمين.
العدد 32 – في 9 آب 1998
الأحـــد التاسع بعد العنصرة