دينونة الآخر – المطران بولس (بندلي)

mjoa Friday September 23, 2016 192

دينونة الآخر – المطران بولس (بندلي)
كم هو صعب وضع الفريسي! إنه يستسلم لدينونة الآخرين، لا يستثني أحداً من الناس! كلهم خاطفون، ظالمون وزناة. كلهم، كل باقي الناس هكذا هم! أما دينونته الخاصة فتصيب هذا العشار الذي تتناوله كل أفواه الناس وتقول إنه سارق كبير.

الصعب، الصعب، في موقف الفريسي هذا هو انه موجود في مكان مقدس قصده ليصلي! وصلاته هذه شكر الله فيها! على أية نعمة شكره؟ عادة يشكر الإنسان الله على عطية من عنده وهو مصدر كل عطية صالحة وكل موهبة كاملة كما يقول القديس يعقوب الرسول. يشكر الإنسان الله على انه خلقه، أخرجه من العدم إلى الوجود. يشكره من أجل النور الذي أشرقه له، من أجل الماء الذي يروي به عطشه، من أجل الهواء الذي يتنشقه فتستمر الحياة في جسده، يشكره من أجل كل خليه من خلايا جسده، يشكره لأنه لم يدعه وحيداً على الأرض التي سلَّطه عليها، يشكر من أجل البشر الذين خلقهم حوله فيتبادل معهم كلّ علاقة تحقق انسانيته!… وعوض أن يشكره على كل ذلك وكل عطية حقيقية أعطاه اياها ولم يدكها بسبب محدودية تفكيره…!
ها الفريسي تغيب عنه كل الاسباب الحقيقية لشكر إلهه لكي يفكر بأمر مستغرب كليّا أن يشكر الله عليه! يفكر أن يشكر الله فقط لأنه “ليس مثل باقي الناس”.
لنتصور معنى هذا “الشكر” الذي يعلنه في “صلاة”. إنه يقول فيه لله: “بئس ما خلقت من البشر! أنت أسأت الخلق -ما رأيته إنه “حسن” في خلقك الكون كان سراباً وما رأيته إنه “حسن جداً” في خلقك الإنسان كان ضلالاً. أنت خلقت خليقة سيئة وأنا وحدي أستثنيتني من شرّ ما صنعت! لذلك، “ها إني أصوم مرتين في الاسبوع وها إني أعشّر كل ما عندي” وأقدمه إلى هيكلك ليعيش الكهنة فيه. فانظر اليّ جيداً يا الله وتأكد إني جيد ولست مثل باقي الناس الذين لا يستحقون أن تكون قد خلقتهم. فليتك لم تفعل ذلك!”.
أما العشار فلم يكن منتبهاً إلى ما كان يقوله رفيقه في الذهاب إلى الهيكل -لم يكن “على هذه الأرض” مع إنه كان منحنياً تجاهها. كان ملتهياً بأمر واحد فقط! إنه خاطىء ويحتاج إلى رحمة الله! لذلك لم يسمع ما كان يقوله الفريسي ولم يفكِّر لحظة بما يجيبه على دينونته. إنه يريد شيئاً واحداً أن ينعم عليه الله، الذي لا يحابي الوجوه، بغفران خطيئته المنتصبة أمامه.
الفريسي التهى بالدينونة فلم تكن صلاته مقبولة لأنها صادرة عن قلب ممتلئ من ذاته، فلم يعد فيه مكان ممكن لله كي يسكن فيه وينقيه، والعشار التهى بذنوبه الكثيرة فلم يفكر بخطايا الآخرين ولذلك حررته النعمة الإلهية التي لا ترذل القلوب المتخشعة المتواضعة وغفرت خطاياه.
أبعدنا يا رب عن دينونة الفريسي وهب لنا توبة العشار. آمين.

العدد 8 – في 20 شباط 2000
أحـــد الفريسي والعشار

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share