الكذب- المطران بولس (بندلي)
في مقطع الرسالة إلى أهل كولوسي الذي سمعناه في هذا اليوم المبارك يقول الرسول بولس: “لا تكذبوا بعضكم على بعض إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد الذي يتجدّد للمعرفة حسب صورة خالقه” (كو9:3و10).
إن بولس سبق وطلب في المقطع المذكور أن نطرح عنّا أموراً عديدة كالغضب والسخط والخبث والتجديف والكلام القبيح الذي يمكن أن يخرج من أفواهنا المدعوة أن تسبح الله كل حين لكنه يشدد بعد ذلك فوراً على الكذب وفي كلامه عن الكذب يضيف “بعضكم على بعض” وهذا يعني إننا إذا كذبنا نكذب على الآخرين، أي نصيب بكذبنا “الآخر” الذي هو أيضاً مثلنا مات المسيح من أجله وله بالتالي حق علينا بألاّ نكذب عليه. ونرى أن بولس يتابع فيطلب إلينا أن نخلع الإنسان العتيق فينا.
فالكذب هو من مقومات “فساد إنساننا العتيق الحاصل بسبب شهوات الخديعة التي أسقطنا فيها الشيطان المجرب لأنه هو الكذاب وأبو الكذاب” كما يؤكد لنا ذلك الرب ذاته. ونحن في المعمودية عندما دفنا في المياه المقدسة خُلِعَ عنَّا إنساننا العتيق، فهل نرجع إليه بكذب نتعاطاه؟
أيها الأحباء علينا أن نختار بين الله الذي يطلب منا أن نحافظ على صورته فينا وبين الشرير الدافع إيانا إلى الكذب فتتشوه هذه الصورة فينا! إننا مدعوون لمعرفة حقيقية لله نؤهل إليها بنعمة الله كل ما كنا شفافين للحق الذي في إلهنا. فإذا ما استسلمنا للكذب، والتجربة قاسية في عالمنا وتهددنا دائماً آخذة كل المظاهر البراقة الواعدة بكذب إننا ننال هكذا خلاصنا، حينئذ تتشّوه رؤيتنا إلى أنفسنا فننسى اننا مدعوون إلى لبس إنسان جديد وتتشّوه رؤيتنا أيضاً إلى الله نفسه الذي يصبح فزّاعة قامعة لنا وليس هو أبداً هكذا وتتشوه رؤيتنا إلى الآخر المخلوق مثلنا على صورة الله فيصبح أداة تخدم أهواءنا.
كل هذا يدعونا إلى مقاومة الكذب في حياتنا في وقت يتردد حولنا انه “ملح الرجال” لكنه ملح فاسدٌ ينبغي أن يطرح عنّا بالكلية.
ألا أهلنا الله أن نكون ثابتين في صدقنا مهما كلفنا كي نستطيع أن ندخل في معرفة ذاك الذي تنازل من علياء سمائه ليرشدنا إلى طريق الحق وهو الإله الحق الذي نسجد له إلى أبد الدهور. آمين.
مطران عكار وتوابعها
الأحد 19 كانون الثاني 2003
العدد 3
الأحد التاسع والعشرون بعد العنصرة