“اللغة الواحدة”- المطران بولس (بندلي)
“فكيف نسمع نحن كل واحد منا لغته التي ولد فيها؟” (أع8:2).
أيها الأحباء إن “اللغة” هي طريق للتواصل بين البشر. إن لم يستطع مخاطبنا أن يفهم اللغة التي نكلمه بها فلا يستطيع أن نوصل إليه ما نريد أن نقوله له فينقطع الحوار بيننا ونصبح غرباء الواحد بالنسبة للآخر.
قديماً كان الناس يتكلمون لغة واحدة وكانوا يستطيعون أن يتفاهموا وبالتالي أن يتعاونوا ولذلك كانوا قادرين أن يتمموا القصد الإلهي في خلقهم، وهذا القصد كان جلياً بأن يكونوا جنساً بشرياً واحداً متمسكاً بالخير الذي يقويهم الله أن يسعوا اليه معاً وبالتالي أن يحققوا به قصد الله في خلقهم. لكن الإنسان تضايق من الله، تذكر الطوفان الذي غمره ونسى خطيئته ببعده عن الله، تلك الخطيئة التي أجرتها الموت ونسب الى الله الموت الذي كان الإنسان سببه.
ولذلك صمّم الإنسان أن يبني برجاً يتحدّى به الله وينجو هكذا من غضبه. أما الله الساهر على الجنس البشري بأجمعه، فلم يشأ أن يترك الإنسان يتمم عمله لأنه كان معرَّضاً أن يفقد إنسانيته فسمح بأن تبلبل الألسنة، فلم يستطيع الإنسان أن يفهم الآخر ما يريد أن يقوله له ولم يعد يستطيع أن يتابع عملاً كان في النهاية سيلغي معنى إنسانيته.
أيها الأحباء، في هذا اليوم المقدس الذي فيه نعيِّد لحلول الروح القدس على التلاميذ الرسل القديسين الأطهار يطرح أمامنا السؤال التالي: هل نحن نسعى أن يكون لنا تواصل حقيقي مع الإخوة الآخرين؟ ربما يتبادر جوابنا الأول: كيف لا، إننا جميعنا نتكلم اللغة العربية وعندما أتكلم أنتبه الى كل كلمة لكي تاتي في مكانها ولكي تنقل الى مخاطبي معناها الحقيقي. طبعاً هذا حسن ولكن هل يكفي. ألسنا معرضين أن ننسى أن المخاطبة الحقيقية تتطلب موقفاً وجدانياً يقضي بأن من أخاطب هو إنسان مثلي. له فرادته المتمايزة عني، له أفكاره المختلفة عن أفكاري، الذي ليس مجرد آلة تسجيل لكلماتي بل إنسان بكل معنى الكلمة واذا ما خاطبته فليست الغاية بذلك أن أجعله يتكلم “لغتي أنا” ولكن أن أجعل فمي ينقل اليه ما أود قوله له “باللغة التي ولد فيها” أي باللغة التي يستطيع أن يقبلها هو، فحينئذ مخاطبتي له تحقق مقصدها وأتمكن من أن اطلق الحوار معه. وهذا ما يوصلنا الى أمر آخر له الأهمية ذاتها وهي انني في الوقت الذي أكلمه، أسعى أن أترك له المجال الكامل لكي يكلمني هو “بلغته التي ولد فيها” أي بكلامه الخاص المعبِّر عن أفكاره الخاصة ومواقفه الخاصة وهكذا يكون حدث العنصرة مستمراً بيننا وفي حياة كل يوم.
نحن مسؤولون عن ذلك. إننا نشكر الله على اختلاف الألسنة وكل واحد منا يؤمن بالروح القدس الواحد الذي يجعل الإخوة يفهموننا عندما نتكلم ويجعلنا نفهم الإخوة عندما يتكلمون وهكذا يجمع الكل الى إتحاد واحد فنمجده مع الآب والابن الى أبد الدهور. آمين.
نشرة البشارة
الأحد 19 حزيران 2005
العدد 25